- فاضل محمد شوقيمراقب قسم
- نـــوعـى* :
مـوطنـى* :
عـمـلـى * :
هـوايتـى* :
الاقتصاد الياباني
الأربعاء 6 يناير - 23:07
المقـدمة
تعد اليابان من الناحية الاقتصادية واحدة من أكثر الدول تقدماً في العالم.الا انها في تكوينها الجغرافي تعاني من تقسيمات تضاريسية حكمت عليها الطبيعة القاسية بذلك ، ونجد ان شعب اليابان قد عانى الكثير ليصل إلى ماهو عليه الآن ، ونجد أن اليابان يحتل الناتج القومي الإجمالي (قيمة السلع والخدمات المنتجة في اليابان خلال عام واحد) المرتبة الثانية على مستوى العالم، كما تتمتع العلامات التجارية اليابانية مثل "تويوتا"، و"سوني"، "فوجي فيلم" و"باناسونيك" بشهرة عالمية.
استمدت اليابان مكانتها العالمية بالاعتماد على الصناعةالثقيلة القائمة على تحويل المواد الاولية المستوردة فهي أول منتج للحديد والصلب في العالم وثالث قوة في تكريرالبترول. أول منتج للسيارات وتساهم ب40بالمئة من الإنتاج العالمي للسفن
اليابان ثالث قوة تجارية في العالم ويسجل الميزان التجاري الياباني ربحا سنويا وذلك بتصدير المواد المصنعة ووضع قيود جمركية على المواد المصنعة الاجنبية وبذلك يساهم ب7بالمئة من التجارة العالمية.
يعد التصنيع إحدى ركائز القوة الاقتصادية اليابانية، ولكن مع ذلك، تمتلك اليابان القليل من الموارد الطبيعية. لذلك فإن أحد الأساليب التي تتبعها الشركات اليابانية تتمثل في استيراد المواد الخام وتحويلها لمنتجات تباع محلياً أو يتم تصديرها.
يعد عِلم استخدام الإنسان الآلي أحد أهم المجالات الواعدة للنمو الاقتصادي المستقبلي، والذي تتفوق فيه التكنولوجيا اليابانية على باقي دول العالم. يستطيع "أسيمو"، وهو إنسان آلي شبيه بالبشر قامت شركة "هوندا" بتطويره، السير على قدمين والتحدث بلغات إنسانية. وفي المستقبل القريب، ستشترك الروبوتات الآلية بالعمل في عدد من المجالات وقد يصل الأمر إلى درجة أن تتعايش الروبوتات جنباً إلى جنب بجوار الإنسان ، كما نشاهد في أفلام الخيال العلمي. ومن خلال هذا البحث المصغر سنسرد التطور الاقتصاي لليابان .
المطلب الاول : مرحلة التوحيد القومي وبناء الدولة ( سياسة البلد المغلق):
يستلزم تفسير النجاح الياباني في الوقت الحاضر ضرورة إلقاء نظرة فاحصة على الفترات السابقة من التاريخ الياباني لأن تجربة النهضة اليابانية بعكس غيرها من التجارب العالمية كانت تراكمية ولم تشهد صراعا بين ماضي وحاضر أو اصالة ومعاصرة. ومع أن تلك المهمة ليست سهلة نظرا لأن التاريخ السياسي الياباني يعتبر معقدا جدا ولا يمكن الإحاطة بكل تفاصيله، إلا أنه يكفي القول بأن اليابان في القرن السابع عشر كانت دولة ضعيفة الترابط لكنها ذات مواطنين فخورين بخصائصهم العرقية. ومن جانبها فقد ساهمت المعتقدات الدينية اليابانية على ترسيخ هذا الشعور من خلال تأكيدها على أن اليابان هي مركز الكون. وقد عززت العزلة الجغرافية اليابانية مفهوم شخصية القبيلة المنفصلة الذي ميز أفراد الشعب الياباني وجعل من المستحيل على الأجانب أن يصبحوا جزءا من القبيلة وهو ما جعل اليابان لا تعطي إلا قدرا ضئيلا من الاهتمام بالأجانب. ولا يزال القادة السياسيون اليابانيون يزعمون بأن النقاء العرقي هو واحد من أهم الأسباب للهيمنة الاقتصادية اليابانية في العالم اليوم. وبرغم ذلك الانسجام الثقافي إلا أن اليابان وحتى القرن السابع عشر لم تكن دولة بالمعنى الحديث للمصطلح. وبدلا من ذلك كان النظام السياسي حتى تلك الفترة يستند على ترتيبات إقطاعية وطبقات وظيفية معروفة ومنظمة جيدا يقف على رأسها الإمبراطور "تينو" سليل آلهة الشمس المقدس الذي كان قد تحول منذ زمن طويل إلى شخصية رمزية بعد أن فوض (الشوغان shogun) أو زعيم الحرب إدارة البلاد باسمه (Duus, 1976). وكان حكم الشوغان يتركز في المنطقة الوسطى من اليابان بشكل مباشر بينما كانت الأجزاء الأخرى من البلاد مقسمة بين قرابة 250 (داييموdaimyo) أو إقطاعية كان زعماؤها قد أدو قسم الولاء له.
كذلك أفرزت اليابان الإقطاعية أرستقراطية كبيرة من المحاربين عرفوا بالساموراي Samurai ، الذين برزوا نتيجة للمعارك المستمرة للسيطرة على الأراضي التي نشبت بين ثلاث عشائر مهمة هي: ميناموتو Minamoto، فوجيوارا Fujiwara، و تايارا (Wilson, 1992) Taira. وبينما كان بعضهم مرتبطا بالطبقة الحاكمة كان آخرون منهم مستأجرين، لكنهم جميعا منحوا ولاءهم الكامل لأسيادهم الداييمو مقابل الحصول على أرض أو رواتب مالية. وفي نهاية الأمر تحول جنود الساموراي أنفسهم إلى طبقة أرستقراطية عسكرية متوارثة خلال الفترة من القرن التاسع إلى القرن الثاني عشر الميلادي شكلت قرابة 6% من سكان اليابان بما فيها من جنود غير نظاميين وموظفين ومرؤوسين من ذوي الرتب الدنيا في المؤسسات الإقطاعية (Duus, 1976). ورغم أن هذه الطبقة كانت تشكل من قبل قوة قتالية في أوائل عصر توكوجاوا إلا أنها مع مرور الزمن تحولت إلى طبقة مدنية بيروقراطية متثقفة متوارثة أكثر منها قوة عسكرية دائمة. واحتفظ أفرادها الساموراي بتقليد امتشاق سيوفهـم التقليدية إشارة إلى مراكزهم وحاولوا أيضا التمسك بشهامتهم العسكرية التي كانت إحدى صفاتهم البارزة. ومع ذلك فقد تحولوا واقعيا ومع مرور الوقت من رجال سيف إلى رجال قلم (رايشاور، 1989: 96).
ويشار في هذا السياق إلى أن إعادة توحيد اليابان سياسيا كانت - في الغالب- نتيجة لجهود ثلاثة من القادة العسكريين اليابانيين المتعاقبين بدءا بالقائد "أوبو نوبوناجا" الذي استولى على كيوتو عام ١٥٦٨م بحجة مساندة آخر ملوك عائلة آشيكاجا، ثم تمكن من إخضاع حكام مناطق وسط اليابان الأقل منه سطوة، كما نجح في القضاء على سلطة الرهبان البوذيين إلا أنه اغتيل في عام ١٥٨٢م. ثم خلفه من بعده واحد من أكفأ قادته العسكريين، "هايديوشي" والذي وبرغم كونه ينحدر من أصل اجتماعي شديد التواضع إلا أنه مع ذلك استطاع نشر سلطانه في كل أنحاء البلاد، بعد نجاحه في القضاء على جميع منافسيه من الحكام وإجبارهم على الخضوع له. ولذلك لم يستعمل "هايديوشي" لقب "الشوجان" كأسلافه الحكام ولكنه استطاع فرض قبضته على المناصب العليا في الحكومة الإمبراطورية القديمة، واحتكر لنفسه التجارة الخارجية المربحة كلها، وصادر أسلحة الفلاحين ومنعهم من الهجرة من مزراعهم للإقامة في المدن، ووضع حدا فاصلا بين طبقتهم وطبقة الساموراي الذين امتهنوا العسكرية. وأصبح الساموراي في عهده يتقاضون رواتب ثابتة، وفرض عليهم الانتقال من الإقطاعيات الزراعية للعيش في المدن القلاعية الخاصة بأسيادهم من كبار ملاك الأرض (ريشاور،1989: 88- 90)
مات هايديوشي دون أن يترك بعده وريثا شابا قادرا على خلافته ولذلك شـهـدت اليابان بعد موته صراعا طاحنا حول السلطة انتهى بعد معركة كبيـرة فـي عام 1600م بانتصار أحد أبرز معاونيه "اياسو توكوجاوا" الذي فضل نقل عاصمة حكمه من كيوتو إلى مدينـة (أدو Edo) المعروفة اليوم باسم مدينة طوكيو في المنطقة الشرقية من الـيـابـان (ظاهر، 1999: 37). وقد دشن "توكوجاوا" عهده باستعادة لقب "شوجان" من جديد كما بذل أقصى ما في وسعه لتثبيت عائلته في حكم اليابان وتكريس نفوذها وسيادتها وقد نجح في تحقيق ذلك بالفعل حيث استمر ورثته يحكمون اليابان منذ ذلك الوقت وحتى منتصف القرن التاسع عشر (ريشاور، 1989: 90 ؛ ظاهر، 1999: 37).
فقد أخضع الشوغان اياسو توكوجاوا التابعين المباشرين له من الداييمو لملاحظة شديدة ووضع نظاماً معقداً من التدقيق والتوازنات لتقييد سلطتهم وضمان الإستقرار: فمثلا لم يكن يسمح بعقد الزواج دون موافقة الشوغان خوفا من التحالفات السياسية ولم تشجع إقامة الطرق والجسور بين المحافظات أملا في الحفاظ على عزلتها. وفي سنة 1630م تم تبني سياسة العزلة القومية التي حظرت على اليابانيين السفر للخارج أو بناء السفن القادرة على عبور المحيط، كما منع الأجانب من الدخول إلى اليابان. كما تم وضع نظام للاحتجاز في سنة 1642م يلزم زوجات وأبناء الداييمو بالإقامة الدائمة في العاصمة "أدو" أما الداييمو أنفسهم فكان عليهم قضاء قرابة نصف السنة في العاصمة لضمان ولائهم للشوغان (Craig and Others,1986: 605). ومع تطور حكومة "توكوجاوا" في "إدو" أخذت تـتحول تدريجيا إلى حكومة بيروقراطية كبيرة تضم كبار الملاك من ورثة "الدايميو" وأتباع الملك "الشوجان" المباشرين. واستجابة لميل اليابانيين الفطري للمشاركة الجماعية في الحكم تم إنشاء مؤسسات سياسية كان على رأسها مجلسا الشيوخ والشباب يليهما في الترتيب البيروقراطي تشكيلات مزدوجة من الموظفين أو مجموعات رباعية تقوم بإدارة مختلف الفروع الإدارية في حكومة "الشوجان" وتشرف على كافة شؤون البلاد. وأصبح الملوك أو "الشوجان" منذ ذلك الوقت مجرد رموز للسلطة تماما كما كان عليه الوضع بالنسبة للأباطرة الذين كانت حكومة "توكوجاوا" العسكرية- من الناحية النظرية- تحكم باسمهم. وحدث الأمر نفسه على مستوى الإقطاعيات الزراعية حيث تحول الحكام الإقطاعيين "الدياميو" إلى مجرد شخصيات بارزة. وفي ظل تلك الأوضاع كان البيروقراطيون من الساموراي هم الحكام الفعليين الذين مارسوا الحكم من خلال مجالس تنفيذية تصدر قرارات جماعية(ريشاور، 1989: 91).
وفي محاولتهم ضمان الاستقرار لجأ حكام إيدو المتعاقبين إلى اجتثاث إي مصدر يمكن أن يهدد نظام حكمهم. وقد كان نشاط البعثات التنصيرية الأوروبية الكاثوليكية من بين مصادر الخطر تلك بعد تزايد عدد اليابانيين المعتنقين للمسيحية ومن بينهم عدد من حكام المقاطعات وبعض قادة الساموراي وتزايد الشكوك حول ولاءهم وانتماءهم للوطن، فضلا عن تهديد الأفكار المسيحية الجديدة لنظام القيم الصارم السائد لدى الطبقة العسكرية مما اعتبر خطرا يهدد النظام ودفع حكومة الشوغان إلى اتخاذ قرارها التاريخي بتصفية الوجود المسيحي على الأراضي اليابانية(ظاهر، 1999: 46-51).
لذلك قام "هايديوشي" وخلفاؤه من بعده في بداية الأمر باضطهاد الديانة المسيحية إلى أن تم القضاء عليـهـا قضاء تاما في عام1638م وكانت التجارة الخارجية ضحية للهوس الياباني المعادي للمسيحية الأمر الذي ترتب عليه صدور قرار في عـام 1639م بمنع اليابانيين الذين يعيشون فيما وراء البحار من العودة إلى بلادهم خشية أن ينشروا "جرثومة المسيحية" من جديد في اليابان . ومـن ثـم اقتصر بناء السفن على القوارب الساحلية التي لا تناسب رحلات المحيط الطويلة كما اقتصرت علاقات اليابان بالعالم الخارجي على اتصالاتها المحدودة بكوريا والصين عبر أوكيناوا وتقلصت المراكز التجارية فيها فلم يبق منهـا سـوى مركز تجاري هولندي صغير ومجموعة من التجار الصينيين كانوا خاضعين للمراقبة اليابانية الدقيقة. وهكذا عاشت اليابان العزلة التي فرضتها على نفسها فترة زادت عن مائتي عام تقريبا ريشاور،1989: 91-92).
وأطلق على تلك السياسة التي تبنتها حكومات توكوجاوا المتعاقبة "سياسة البلد المغلق" والتي بموجبها تم طرد كل المنصرين خلال النصف الأول من القرن السابع عشر وقطعت عمليا التجارة الخارجية وحظر بناء السفن الكبيرة وأصبح السفر للخارج جريمة عقوبتها الموت (Kennedy,1987:14-15). ورغم أن العزلة عادة ما ترتبط بالركود الثقافي إلا أن فترة حكم أسرة توكوجاوا التي امتدت زمنا طويلا قد أسهمت من خلال توفيرها للسلام والاستقرار والنمو الاقتصادي في انبعاث نهضة أصيلة كان لها الأثر الأبرز في نقل الاقتصاد الياباني من نمط الإنتاج ما قبل الرأسمالي إلى نمط إنتاج رأسمالي دون الاعتماد على مساعدات خارجية( see,Toby, 1991: 483-512; Moriss-Suzuki, 1994).
كذلك شهدت اليابان في تلك الفترة، كما يقول ريشاور، قدرا كبيرا من
التنوع في المدارس الفلسفية مثل المدرسة الكونفوشسية والمدارس الفلسفية الأخرى كما
أدى الاتصال بالتجار الهولنديين في ناجازاكي في القرن الثامن عشر إلى تنمية الاهتمام
بالعلوم الغربية وخصـوصـا عـلـوم الـطـب والتعدين والمدفعية وهو العلم الذي
أطلقوا عليه اسم "التعليم الهـولـنـدي". باختصار يمكن القول بأن اليابانيين المنعزلين حضاريا كانوا في ذروة حيويتهم الثقافية (ريشاور، 1989). وفي هذا السياق يشار إلى أن اليابان كما يقول مسعود ظاهر:
لم تعزل بشكل تام عن العالم الخارجي كما يعتقد بعض الباحثين، وإنما تمت عزلتها الطوعية بناء على قرار سياسي ياباني قضى بتجنيب اليابان الضغوط الخارجية المتزايدة والانصراف لحل مشكلاتها السياسية والاقتصادية. فسمحت لها تلك العزلة بتطوير قواها الذاتية، وتصليب وحدتها القومية، وتنمية ثقافتها الخاصة، وتطوير بناها الاقتصادية والاجتماعية بمعزل عن المؤثرات الغربية، وتضخيم التراكم المالي النقدي الناتج عن غياب الاستنزاف المالي إلى الخارج عبر التبادل غير المتكافئ (ظاهر، 1999: 51).
المطلب الثاني :مشروع النهضة الأول (إصلاحات الميجي: بلد غني وجيش قوي)
انتهى عمليا قرابة قرنان ونصف من سياسة العزلة والانغلاق مع الوصول المفاجئ للقبطان الأمريكي ماثيو بيري باسطوله البحري إلى سواحل اليابان في سنة 1853م حاملا معه تفويضا رئاسيا بفتح محادثات تجارية مع اليابان ومهددا لها بضرورة فتح أبوابها أمام التجارة الدولية. ولم يكن القبطان بيري يعلم انه كان هناك رجلان يتقاسمان الزعامة في اليابان، الأول هو الإمبراطور الذي لم تكن له إي سلطة فعلية وإنما كان فقط رمزاً للاستمرارية وللثقافة اليابانية المتواصلة منذ آلاف السنين وكان يقيم في "كيوتو" العاصمة الإمبراطورية القديمة للبلاد. والثاني هو الشوغان الذي كان يحكم البلاد فعلاً من موقعه في مدينة "ايدو" التي أصبحت لاحقاً طوكيو بواسطة طبقة من الإقطاعيين أو الداييمو. والواقع أن تهديد قائد الأسطول الأمريكي للسلطات اليابانية قد حقق المراد بعد أن أعطى اليابانيين مهلة سنة لكي يفكروا في الأمر ويفتحوا موانئهم أمام السفن الأمريكية والأوروبية. وبالفعل فقد عاد في العام التالي (1854) وتوصل الى مبتغاه.
فلم يكن أمام الحكومة اليابانية التي كانت تتابع جيدا إخفاق المحاولات الصينية في مقاومة دبلوماسية السفن الحربية الغربية قبل عقد من الزمن سوى القبول بسلسلة من الاتفاقيات المجحفة التي أدت خلال عدة سنوات بعد ذلك إلى فتح عدد من الموانئ اليابانية للتجارة الخارجية. ووضعت تلك الاتفاقيات نهاية لتجربة تكاد تكون فريدة في تاريخ البشرية استمرت أكثر من مائتي عام تخلت فيها اليابان عن تكنولوجيا السلاح الحديثة وارتدت فيها من البندقية إلى السيف. ودفع هذا الانفتاح الإجباري اليابان إلى مأزق حول كيفية الرد على هذا التهديد الخارجي والتقنية المتطورة التي يمتلكها. وبدءاً من تلك اللحظة تسارعت الأحداث ولكن الانفتاح الحقيقي لليابان على الحضارة الغربية لن يحصل إلا بعد تغيير النظام ووصول سلالة الميجي إلى سدة الحكم.
وعموما فقد نتج عن انفتاح اليابان المفاجئ على الغرب اضطراب وفوضى في الأسواق الوطنية اليابانية وزاد النظام النقدي سوءا كرد فعل للأحداث السياسية. كما أن السياسة الدكتاتورية العسكرية التي انتهجها "الشوجان" بوصفه قائد الأمة العسكري التي كانت تبدو مبررة لحماية الأمة أثبتت فشلها في حماية البلاد ومن ثم بات نظام "الشوجان" معرضا لهجوم كل الرافضين للأوضاع الجارية آنذاك وكل المتذمرين من تسلط توكوجاوا المتزايد. وكانت أحداث عام 1853م قد هزت نظام توكوجاوا من أساسه فبدأ هيكله المتقادم في التحلل. ودخل الساموراي في طول البلاد وعرضها في جدل حول سياسات النظام. وعندما أجبرت حكومة "إدو" في عام 1858م على إبرام المعاهدة التجارية مع الولايات المتحدة اشتعلت المشاعر الوطنية ضد فتح البلاد للأجانب وتعـاظـم الـشـعـور الشعبي بضرورة مواجهة التهديد الخارجي بحشد قوى الأمة كلها وطالبت بعض القوى السياسية بإحياء النظام الإمبراطوري من جديد ليحل محل نظام توكوجاوا العسكري ورفعوا شعار "المجد للإمبراطور" تعبيرا عن مطلبهم هذا مقترنا بالصيحة الوطنية العامة التي رفعت شعار "اطردوا البرابرة " ليخرج من الشعارين شعار جديد واحد يتكون من أربع كلمات وهي "ليحيا الإمبراطور وليطرد البرابرة" (ظاهر، 1999: 105).
وفي نهاية الأمر كونت الإقطاعيتان الكبيرتان "ساتسوما" و "كوشو" وبعض إقطاعيات أخرى بعيدة وإقطاعيات صغيرة ثانوية ائتلافا فيما بينها استطاعت من خلاله سحق الحكومة الإقطاعية المتداعية في انقلاب محدود العنف في 3 يناير من عام 1868م وإنشاء حكومة ثورية جديدة بزعامة الإمبراطور الشاب «موتسوهيتو» الذي أطلق عليه لقب «الميجي» الذي يعني حرفياً: الحاكم المستنير وقد كان مستنيراً بالفعل فهو الذي حقق النهضة اليابانية. وأعلن باسم الإمبراطور عودة الحكم الإمبراطوري المباشر وإنهاء حكم أسرة "توكوجاوا" الذي استمر أكثر من مائتي عام. وفي عام1869م نقلت الحكومة الجديدة الإمبراطور إلى القلعة الملـكـيـة فـي "إدو" العاصمة وأطلقت عليها اسما جـديـدا هـو "طـوكـيـو" أي الـعـاصـمـة الشرقية. وكانت جميع الأعمال الحكومية تتم باسم الإمبـراطـور وعـرفـت عملية هذا التحول العظيم في تاريخ اليابان باسم "حركة إعادة ميجي الإصلاحية"
وبينما تمت إعادة تأهيل الإمبراطور كرمز للسلطة السياسية فإن القوة الحقيقية كانت بيد الطبقة الأوليجاركية التي استولت عليها والتي شملت مجموعة الإقطاعيين (الداييمو) الذين أقصوا الشوغان، وأفراد الساموراي التقدميين والمتعلمين وخاصة الذين كانوا على دراية بالغرب(Duus, 1979). ومع ذلك يجب أن تفهم عملية إعادة الإمبراطور في إطار الأسس الإيديولوجية للمجتمع الياباني. فالثورات الفرنسية 1789م والبلشفية 1917م والإيرانية 1979م كلها أدت إلى القضاء على الأسر الإمبراطورية وقتلت أو نفت الإمبراطور. أما في اليابان فقد أعيدت الصلاحيات للإمبراطور وأعطي للمرة الأولى منذ قرابة ألف سنة سلطة تنفيذية. كذلك فبرغم رفض الحركة الإصلاحية لمؤسسات البوذية والشوغان والساموراي، إلا أنه من المؤكد أن الكتلة الأوسع من أفراد طبقة الساموراي الأكثر فقرا والأكثر تقدمية هي التي وفرت القاعدة والنشاط في فترة الميجي، وذلك بانخراطهم في مجالات التجارة والأعمال والتعليم والحكومة والجيش بأعداد كبيرة. أما الساموراي الأفضل حالا فقد أصبحوا حكاما وسفراء. ولذلك فقد كان الإجماع وليس الخلاف هو سيد الموقف في عملية التحول اليابانية، ومن ثم لم تكن حركة ميجي ثورة أو انقطاعا عن الماضي بقدر ما كانت إعادة توازن للسلطة والقوة ضمن البناء الياباني. وفي هذا السياق يقول هال (Hall, 1970) أن تلك الحركة كانت محتواة حصرا ضمن الجماعة القديمة الممسكة بالقوة وتحديدا ضمن طبقة الساموراي وأنها قد أعتمدت على الاستمرارية القوية لرموز الولاء والقيم السياسية. ولذلك فإن ما حدث أنذاك كان في جوهره بمثابة ردة فعل سياسية مقيدة أسهمت في إحداث حركة تحديث "فوقية"(Hall, 1970: 247) .
ومنذ البداية أدرك بعض اليابانيين أن الدفاع الوحيد عن بلادهم ضد الغرب لن يتم دون أن يكون لليابان تفوقها التكنولوجي نفسه في المجالين العسكري والاقتصادي. وبهذا فقط يمكن طرد البرابرة حين يتحقق لليابان التكافؤ مع الغرب في كلا المجالين. بعدها رفع اليابانيون شعارا جديدا من أربع كلمات أيضا هو "بلد غني وجيش قوي". وبرغم أنه كان هناك إجماع عام حول الحاجة إلى تطوير وتعزيز القدرات الدفاعية القومية إلا أنه كان هناك جدلا كبيرا حول دور الأجانب والتعليم الأجنبي.
وقد وقع عبء رسم السياسات وتنفيذها على كاهل مجموعة من شباب الساموراي الأقوياء الإصلاحيين من ذوي الرتب الكبيرة والمتوسطة ومعظمهم من الإقطاعيتين الكبيرتين "ساتسوما" و "كوشو". وتولت هذه المجموعة من الساموراي الشباب الذين تحولوا إلى بيروقراطيين مهمة الإشراف الثوري على الاقتصاد السياسي لليابان وتجارتها الخارجية ومؤسساتها المختلفة من جيش وإدارة واقتصاد. وكان أولئك القادة يتابعون ما يجري من تمزيق لأوصال الصين المجاورة على أيدي القوى الأوربية المحتلة في حروب الأفيون وأدركوا بالتالي أهمية اتخاذ قرار سريع لتجنب مصير مشابه. وانطلاقا من كونهم تجار جيدين فقد أقتنع القادة اليابانيون بالعلاقة الوثيقة بين التنمية الاقتصادية والتصنيع من جهة والقوة العسكرية والسياسية من جهة أخرى. ولذلك دشنوا سياسة قومية ميركنتالية تقوم على مزامنة بناء "بلد غني وجيش قوي". وقد أفاد اليابانيون الذين كانوا على معرفة بالتكنولوجيا الغربية من خلال دراساتهم "للتعليم الهولندي" إفادة كبيرة في محاولة وضع هذا الشعار موضع التنفيذ. ولما كانت اليابان قد فتحت أبوابها - بالفعل- للغربيين أو البرابرة كما أطلقوا عليهم فقد نجحت في استخدام أولئك "البرابرة" أنفسهم في محاولة تحقيق شعار "دولة غنية وجيش قوي".
أما المهمة الأكثر صعوبة التي واجهت النظام الجديد كما يورد ريشاور فقد كانت:
مهمة إلغاء التقسيمات الطبقية و الامتيازات الخاصة التي تمتع بها أفراد طبقة الساموراي وكرسها النظام القديم. فمع زوال الإقطاعيات الزراعية فقد السـامـوراي وضعهم المتميز كطبقة بيروقراطية متوارثة . وفي عام1876م لنظام التجنيد الإجباري العام محل نظام الخدمة العسكرية الـقديم القائم على أسـاس طبقي. وصدرت الأوامر في العام نفسه لمنع الساموراي من امتشاق سيوفهم وشاراتهم المميزة. كما تم تخفيض معاشاتهم قبل أن تتحول في العام نفسه إلى مبلغ صغير شامل أو سندات حكومية دفعتها لهم الحكومة دفعة واحدة. أي أن النظام الجديد – باختصار استطاع خلال ثماني سنوات فقط تجريد الساموراي من جميع امتيازاتهم الخاصة لتبدأ اليابان أكبر تغيير حول مجتمعها خلال جيل أو جيلين من مجتمع يتحدد كيانه على أساس التوارث إلى مجتمع يعتمد بدرجة كبيرة على التعليم وما ينجزه المواطن الياباني من أعمال (ريشاور، 1989: 108-109).
ولم تكن امتيازات طبقة الساموراي هي العقبة الوحيدة أمام بناء دولة حديثة. فلم يكن يسمح للفلاحين، خلال النظام الإقطاعي، بامتلاك الأرض أو تغيير إقامتهم أو مهنهم، كما لم يكن يسمح لافراد الساموراي بالعمل في الزراعة ولذا اعتبرت الطبقة الأوليجاركية تلك الممارسات عقبات أمام التنمية الصناعية وعملت على إزاحتها. وهذا ما دفع أصلاحيي ميجي إلى تبني سياسة الإصلاح الزراعي، بعد فترة قصيرة من إزاحة زعماء الإقطاعيات العسكريين، والتي سمحت للفلاحين بتملك الأرض، التي كانوا يزرعونها فقط لصالح السيد الإقطاعي، والمتاجرة بعوائدها. وبهذه السياسة حوّل الأصلاحيون حياة الفلاحين من حياة الكفاف إلى فلاحين قادرين على دفع الضرائب بعدما أصبحوا منتجين لفائض يوجه إلى السوق، كما عملت على القضاء على التكتلات الاحتكارية التي كانت تقيد حرية الوصول إلى الأسواق الرئيسة (Craige & Others, 1986: 1050) . من جانب أخر أدخلت ثورة ميجي إصلاحات في مجال التعليم من أجل تحقيق هدفين أساسيين هما تعزيز التنمية الاقتصادية ونشر القيم القومية وترويجها. وطال الإصلاح مجال التجنيد أيضا الذي أستخدم ليس من أجل أنشاء جيش قوي فقط وإنما أيضا لتحويل الفلاحين إلى وطنيين يحافظون على القانون والنظام في الداخل والخارج(Bowen, 2006: 9). وبرغم ذلك يمكن القول أن عملية التحديث تلك لم تسر بدون عراقيل او صعوبات حيث قاومت شريحة من الطبقة الاقطاعية القديمة المرتبطة بالشوغان الإصلاحات الجديدة التي اتخذها الإمبراطور ولم تقبل بفقدان امتيازاتها ومصالحها وأراضيها ولذلك ثارت مرتين عليه في عام 1874، و1877 وانتهت المعركة لصالح الجيش الامبراطوري وعندها اصبح إمبراطور الميجي مطلق الصلاحيات في البلد وألغى منصب الشوغان الذي كان ينافسه وأصبح الإمبراطور هو الحاكم الفعلي لليابان.
المطلب الثالث :اليابان تدخل المجتمع الدولي :
وبعد قرون من الانعزال اعترفت النخبة الجديدة بأهمية التّعلم من العالم الخارجي لذا تم إرسال مجموعات كبيرة من الشباب الياباني في بعثات دراسية إلى الغرب في الوقت نفسه الذي اتجهت فيه أنظارها بداية إلى أوربا وبدرجة أقل إلى الولايات المتحدة للاستفادة منها في إنشاء الجيش والشرطة والمدارس والنظام القانوني وغيرها من المؤسسات السياسية والاجتماعية واختارت من النماذج الأوربية ما اعتقدت أنه أفضل عصره آنذاك لكنها فضلت تلك التي كانت تنسجم مع الممارسات اليابانية السائدة، ولذا كان تفضيل النخبة الجديدة لنظام الشرطة الفرنسي الذي كان مركزيا على النموذج البريطاني الذي كان بالمقارنة لا مركزيا، كما استعارت نظام التعليم الفرنسي والبيروقراطية الألمانية(Bowen, 2006) . ولاحقا وفي فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى وعندما بحثت الشركات اليابانية الكبرى عن أساليب لرفع الكفاءة بدون صدام عمالي اتجهت تلك الشركات إلى الولايات المتحدة – التي كانت تشهد تصنيعا متناميا بدون وجود حركة عمالية قوية- واستعارت منها ممارسات مثل الإدارة الصناعية و رأسمالية الرفاه والمعرفة التقنية.
كذلك عندما توصل إصلاحيو ميجي إلى خلاصة أساسية مفادها أنه لا يمكن الاعتماد على قوى السوق الطبيعية وحدها للاتجاه نحو التصنيع واللحاق بالغرب قرروا استخدام الدولة لإحداث ثورة فوقية. ومن ثم أتسمت سياسة حكومة ميجي منذ ذلك الحين باستخدام النفوذ السياسي من أجل خلق تراكم رأسمالي وبناء جيش حديث. وركزت هذه السياسة إلى توظيف ثروة الدولة لتمويل مؤسسات كل من القطاعين العام والخاص في اليابان مع توجيه رأسمال الدولة نحو إنشاء وتطوير صناعات ذات علاقة وثيقة الجيش مثل بناء السفن، الصلب، المناجم، والسكك الحديدية، والتلغراف. وكانت الدولة تعمد إلى بيع تلك الصناعات عندما تبدأ في تحقيق الأرباح لرجال أعمال ممن كان لهم علاقات وثيقة بالقيادة السياسية وهي علاقات ازدادت رسوخا مع تنامي المصالح بين الدولة والقطاع الخاص. وقد هدفت تلك السياسة التي أطلق عليها تشالمرز جونسون(Johnson, 1987) "الدولة التنموية" تحقيق شعار "دولة غنية وجيش قوي" على أرض الواقع.
وبالفعل نجحت قطاعات يابانية منظمة جيدا من البيروقراطيين والعسكريين والصناعيين بشكل ملفت للنظر في تحويل شعار "بلد غني وجيش قوي" إلى واقع ملموس، حيث برزت اليابان كأول اقتصاد رأسمالي صناعي غير غربي وأول قوة إمبريالية غير غربية. وقد كان لبيروقراطية الدولة تحت الإدارة الكفؤة للساموراي السابقين دورا حاسما في حركة التصنيع هذه في ظل قيادة الإمبراطور ميجي، بالتعاون الوثيق مع عدد ضخم من الشركات الخاصة الخاضعة لسيطرة عائلية والتي تربط ما بين المنشآت الصناعية والتجارة والمالية في شبكة سميكة ومعقدة من العلاقات عرفت باسم (زايباتسو Zaibatsu ) . وفي هذا السياق يشير ريشاور إلى أن النظام الجديد قد بذل:
كل الجهود لتحديث الاقتصاد الياباني. فأقام نظاما مصرفيا حديثا، وأصلح النظام النقدي فأصبحت الوحدة النقدية هي الين الياباني الذي كان يساوي في ذلك الوقت نصف دولار تقريبا. وأقام النظام الجديد الفنارات، وعمل على تطوير الموانئ والمرافئ، وربط اليابان كلها بشبكة تلغرافية، ومد خطوط السكة الحديدية. وفي عام١٨٧٢م مد خط حديدي بين طوكيو ومينائها يوكوهاما، وارتقى مستوى إنتاج الحرير من خلال استخدام بكرات الخيوط الحريرية الميكانيكية........ وقد أقامت الحكومة بنفسها الصناعات الإستراتيجية، مثل إنتاج الأسلحة والذخائر، وتطوير التعدين، كما قامت بدور رائد في اقتحام مجال المصانع التجريبية، فضلا عن مجموعة متنوعة من الصناعات الأخرى (ريشاور،1989: 109-110).
اعتبرت الفترة منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الربع الأول من القرن العشرين فترة انتعاش لليابان حققت فيها إنجازات كبيرة. لم يكن لليابان آنذاك إلا همّ واحد: اللحاق بركب الحضارة الغربية بأي شكل كان وردم الهوة السحيقة التي تفصل بين تخلف اليابان وتقدم الغرب وكانت نتيجة ذلك الجهد مشجعة بل وأكثر من ذلك كانت معجزة. وبرغم أن الإمبراطور كان في مقتبل العمر عند استعادته صلاحياته إلا أن شخصيته كانت محورية في أسطورة التحديث اليابانية. كما أنه قد أحاط نفسه بمجموعة من الساموراي الشباب المصممين على تحديث اليابان- وليس بالضرورة تغريبه- وهو ما أسهم في بروز شعور قوي بالقومية اليابانية. ففي أقل من خمسين سنة تحولت اليابان من وضع العزلة خلف المحيطات إلى أن تصبح أول قوة عالمية غير غربية في الاقتصاد السياسي الدولي. وخلال عدة عقود بعد ذلك استطاعت اليابان ذات الدرجة المتسارعة من التصنيع هزيمة كل من الصين وروسيا في انتصارات عسكرية حاسمة وبدأت مرحلة من التوسع الإمبريالي المنتظم عبر آسيا. وفي تفسيره لذلك الإنجاز الياباني يؤكد مسعود ظاهر على دور التراكم المادي خلال فترة توكوجاوا حيث يشير إلى أن إصلاحات الامبراطور مايجي قد قامت:
على ركائز داخلية متينة نتجت عن تراكم الإيجابيات الكثيرة التي تجمعت إبان مرحلة العزلة الطوعية. وعندما توفرت لها القيادة السياسية المتنورة، والانتلجنسيا الواعية التي تثقفت بثقافة عصرية معمقة دون القطع مع ثقافتها اليابانية الأصيلة أو التنكر لها، والالتفاف الشعبي العارم، استطاعت اليابان بناء نهضة متميزة في التحديث غير قابلة للارتداد، وهي التجربة الأولى خارج تجارب التحديث الغربية (ظاهر، 1999: 356).
وإجمالا يمكن القول أنه برغم أن اليابان قد استيقظت على وقع دبلوماسية السفن العدوانية وشهدت التهديد بالاحتلال الأجنبي لكنها في النهاية، وبعكس غيرها من شعوب العالم غير الأوربية لم تخضع للاستعمار الإمبريالي. بل على العكس من ذلك دشنت اليابان تحت قيادة حكومة الإمبراطور ميجي جهدا خارقا لاكتشاف أسرار القوة الأوربية واستخدامها لتعزيز قوة البلاد من الداخل ثم الاندفاع إلى الخارج بعد انتصاراتها على الصين وروسيا في بدايات القرن العشرين. وقد عززت تلك الانتصارات موجات التصنيع في السنوات اللاحقة وهو ما دفع باليابان إلى التحول إلى "دولة عظمى" في بدايات القرن العشرين.
ومع ذلك فقد كان للشعور بأن قدر اليابان هو في توحيد جيرانها الآسيويين تحت
هيمنتها فضلا عن المطالب المتنامية للمركب الصناعي-العسكري المتعاظم دورا في
تدهور علاقات اليابان مع كل من جيرانها الآسيويين والقوى الغربية خلال الثلاثينات من
القرن العشرين مع توسع الإمبراطورية اليابانية وتحولها إلى دولة إمبريالية ذات نزعة
عسكرية توسعية مما أدى إلى دخول اليابان في حرب مع الصين أولا ثم مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين كانت نتيجتها فيما بعد هزيمة عسكرية واحتلال أمريكي لأراضيها في الحرب العالمية الثانية.
المطلب الأول : الاحتلال الأمريكي وإعادة برمجة اليابان
كما انتهت سياسة العزلة اليابانية في القرن التاسع عشر فجأة نتيجة لتهديد خارجي فكذلك كان الحال مع توسعها الإمبريالي في القرن العشرين الذي انتهى هو الأخر فجأة لكنه اتخذ هذه المرة شكل الهزيمة العسكرية والاحتلال العسكري الأمريكي لليابان خلال الفترة من 1945-1951م. وكما فعل القبطان بيري سابقا أجبر الجنرال الأمريكي ماك أرثر اليابانيين على القبول بعمليات تغيير واسعة النطاق في مؤسسات البلاد الرسمية والاجتماعية والاقتصادية. فقد أعتبر ماك أرثر اليابان المهزومة بمثابة معمل رائع لتجربة تحرير شعب من حكم عسكري شمولي وخلق حكومة ليبرالية. كما اعتبر نفسه يقوم بدور المهندس الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وأعتقد أن واجبه كان يتمثل في إعادة بناء اليابان من الأعلى حتى قاعدة الهرم. وخلال سنة من تسلمه المهمة أعلن أن "ثورة روحية" تحت إشرافه الخيّر قد أنهت حكم زعماء الاقطاع التقليدي في اليابان ومنحت اسلوب الحياة الأمريكي الديموقراطي لليابان. ولخص جون داورDower المتخصص في الشأن الياباني بشكل رائع الاهداف الرئيسة للاحتلال والتناقضات الرئيسة التي احتوتها بقوله "كان سينزع سلاح اليابان من قبل الجيش الأمريكي، وتفكك المركزية بواسطة النظام الهرمي للجيش الأمريكي، وتفرض الديموقراطية من الأعلى. لقد كان على اليابان أن تشهد ثورة مجهولة المصدر، وسلمية، وبدون ثوار" (Dower,1971: 147).
ومن بين الهدفين اللذان حددتهما إدارة الاحتلال كان نزع سلاح اليابان هو الاسهل في التنفيذ بكل وضوح. حيث بدأ ذلك مع إعلان الإمبراطور هيروهيتو في 14 اغسطس 1945م عن إستسلام اليابان غير المشروط واتبع بسلسلة من القرارات، ومن ضمنها بند السلام وإدانة الحرب الذي ضمن في الدستور، التي أكدت جميعها على يابان منزوعة السلاح. أما الهدف الثاني للاحتلال، الدمقرطة، فلم يكن سهل التنفيذ حيث افترض الساسة الأمريكيون أن عليهم إحداث تغييرات جذرية في كل مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية اليابانية، وهو ما كان يعني الذهاب إلى ما هو أبعد من مجرد كتابة دستور جديد. ومع ذلك فقد بدأ ماك أرثر تنفيذ خطته تلك لإعادة صياغة اليابان وتحويلها إلى سويسرا آسيا حيث عمد مع فريقه الإداري بتصفية الجيش والتجمعات القومية المحافظة ومعظم القادة السياسيين في زمن الحرب وقادة قطاعات الأعمال (زايباتسو) (Miller, 2005:36). وأدت هذه التصفية إلى القضاء على الطبقة العسكرية واستبدال الزعماء السياسيين القوميين بتكنوقراط واستبدال أسر (زايباتسو) بمدراء محترفين. والأكثر أهمية أنها تركت البيروقراطية متماسكة وفي وضع قوي جدا في مقابل الجماعات الأخرى. وقد ترأس ماك أرثر بنفسه عملية إعادة كتابة الدستور الياباني (ومن ضمنها الفقرة المتعلقة بالتخلي الدائم عن استخدام القوة أو بناء قوة عسكرية هجومية)، فضلا عن توسيع نطاق التصويت لكل الرجال والنساء وضمان حقوق مدنية للمواطنين اليابانيين شبيهة بتلك السائدة في أمريكا. كما عمد إلى القضاء على نفوذ تكتلات زايباتسو ومن ضمنها مؤسسات ضخمة مثل ميتسوي، وميتسوبيشي، وسوميتومو، مع إصرار مماثل على إعادة صياغة الثقافة السياسية اليابانية. وفي وصفه لهذه العملية كتب هندري Hendry:
قامت حكومة الاحتلال بحظر المناهج التي كانت مستخدمة قبل الحرب العالمية الثانية لأنها ساعدت في تشجيع الحماسة القومية التي أدت باليابان إلى الهزيمة. حيث علمت تلك المناهج اليابانيين الأسطورة على أنها تاريخ، وشجعت كل الشعب الياباني في كل مكان على اعتبار أنفسهم منحدرين من سلالات فرعية للسلالة الإمبراطورية ....... كذلك تم حظر تعليم الإيديولوجية الشنتوية في المدارس بعد الحرب مباشرة. وتم تدريس قيم غربية جدا ومعظمها أمريكي تعرض لحياة أبطال مثل بنجامين فرانكلين وتقدمها كنماذج قدوة للأطفال. وبالتدريج تم إدخال مواد أكثر "يابانية" في المحتوى ومناسبة للأبطال اليابانيين لاضفاء صبغة محلية على نسق القيم الجديد. ومع ذلك بقي محتوى مناهج المدارس موضوعا لخلاف كبير (Hendry, 1997: 260).
غير أنه مع "فقدان الصين" وظهور نذر الحرب الباردة بدأ ماك أرثر والحكومة الأمريكية يخشون من سقوط اليابان كذلك في قبضة الشيوعية. وهذا أدى بدوره إلى تغيير جذري في سياسة الاحتلال في سنة 1947م حيث تم التخلي عن التأكيد السابق بتحويل اليابان إلى سويسرا أخرى لصالح يابان واحدة وموحدة لكنها مع ذلك غير مسلحة وحليفة للغرب تتمتع بكل الدعم والحماية الأمريكية كدولة تابعة. وبناء على ذلك تم إعادة تأهيل عدد من السياسيين المحافظين الداعمين للتحالف( كان عدد منهم قد تم إقصاءه) الذين استطاعوا الهيمنة على السياسة اليابانية. كما برزت مرة أخرى أسر زايباتسو ولكن كتنظيم أقل صرامة وتعرف (كيريتسو Keiretsu ) والتي استطاعت بسرعة استعادة هيمنتها على الاقتصاد الياباني. وبنهاية الاحتلال أعادت مؤسسات زايباتسو الكبيرة (ميتسوي، ميتسوبيشي، وسوميتومو وغيرها) بناء نفسها وتوسيع نشاطها وعملت على إنشاء شبكة مجموعات الشركات التي تسيطر على الاقتصاد الياباني في الوقت الحاضر (جراي، 2000: 242). ومع وجود بيروقراطية نخبوية كفؤة على القمة وكحليف مفضل للولايات المتحدة كانت اليابان جاهزة لبدء استراتيجيتها المذهلة لردم الفجوة في مرحلة ما بعد الحرب.
وتأسيسا على ذلك يمكن القول أنه مع إعادة قوات الاحتلال الأمريكية السيادة القومية إلى اليابانيين في سنة 1952م برز نمطان سياسيان يبدوان متناقضين. فمن جهة كان يفترض أن تحكم اليابان بواسطة واحد من أكثر دساتير العالم ديمقراطية صمم لكي يتخلص من الحكم الأوليجاركي الذي شجع على نشوء الحكومات العسكرية في عقدي الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين. ومن جهة أخرى دفعت الضرورات البرجماتية للحرب الباردة اليابان نحو اتجاه أقل ديمقراطية مما مهد الطريق لشخصيات سياسية ذات مواقف شبيهة للنخب القديمة بتسلم مقاليد السلطة (Bowen, 2006).
المطلب الثاني : الهيكل الاقتصادي اليابان
وقد تم تصنيع أساس اقتصاد اليابان منذ 1960s والحسابات اليوم لأكثر من 20 ٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية. الالكترونيات والسيارات والصناعات ما زالت تهيمن على قطاع الصناعة التحويلية في اليابان وكان لها نجاحا كبيرا في اختراق الأسواق الدولية. على حد سواء ومع ذلك فقد عانت في السنوات الأخيرة من قوة الين ، التي دفعت موجة من الاستثمارات المباشرة في الخارج أقل تكلفة من البلدان ، إلى آسيا على وجه الخصوص.
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2004 ويبين التقرير أن 11.8 ٪ من عدد سكان اليابان يعيشون تحت خط فقر الدخل (50 في المائة من متوسط دخل الأسرة المعيشية). إجمالي الالتحاق الأولية ، التي تشير في المائة من السكان في سن الالتحاق بالمدرسة ، هو 101 ٪ ، مع كل من الذكور والإناث المسجلين منصف. ويبلغ معدل إلمام البالغين بالقراءة والكتابة 99 ٪. 9th اليابان في المرتبة 177 من بلدان العالم من حيث مؤشر التنمية البشرية.
اليابان هي أيضا أكبر شركة في العالم لصناعة الآلات المكنية ، فإن الكثير من الناتج الذي هو تصديرها إلى بلدان مثل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. اليابان هي أيضا واحدة من أهم المحطات العالمية والحديد والصلب وصناع.
وخلال 1970s ، شهد العالم تحولا أساسيا في الهيكل الصناعي في اليابان من التركيز على الصناعة الثقيلة لتطوير حقول جديدة ، مثل صناعة اشباه الموصلات اندماج بين أطراف متعددة.
وبحلول أواخر 1970s ، الكمبيوتر ، أشباه الموصلات ، وغيرها من تكنولوجيا المعلومات والصناعات كثيفة قد دخلت فترة من النمو السريع.
النسبة المئوية من الذين يعيشون في المدن اليابانية ارتفعت تدريجيا تورم القوة العاملة الصناعية. النمو الاقتصادي بدعم قوي من القطاع الخاص للاستثمار التسهيلات تستند إلى ارتفاع نسبة المدخرات الشخصية ، وكان يرافقه تغييرات كبيرة في الهيكل الصناعي في اليابان.
النمو البطيء للاقتصاد في أواخر 1990s أدت بعض الناس للتعبير عن المخاوف بشأن القدرة التنافسية للصناعة اليابانية. لا يزال ، والابتكار التكنولوجي مكن اليابان لاستعادة قوي في السوق في بناء الآلات على نطاق واسع ، مع الحفاظ على مكانتها الرائدة في صناعات أشباه الموصلات والسيارات. ومن السمات البارزة للاقتصاد اليابان هو أنها تتألف من اثنين من مستويات متميزة بين الكبيرة والقوية والشركات المتعددة الجنسيات ، وكثير منها الآن أسماء الأسر المعيشية في الخارج في العقود الثلاثة الماضية ؛ وفرة من الصغيرة ، وكثيرا ما تملكها الأسرة ، والمؤسسات والشركات المتوسطة الحجم ، مع 300 أو عدد أقل من الموظفين. هذه الحسابات ل99 ٪ من الصناعات التحويلية الشواغل. هذا من شقين
هيكل قد استشهد بها باعتبارها واحدة من الأسباب لدينامية بعض أجزاء من الصناعة في اليابان ، مع أصغر الشركات التي توفر المرونة والابتكار ، التي غالبا ما تكون غير متوفرة في المؤسسات الأكبر.
المطلب الثالث : تأثر اليابان بأزمة الكساد العالمي ( 1929م ) :
في منتصف مارس 2001 حبس العالم أنفاسه بسبب الانخفاض الحاد الذي شهدته بورصة طوكيو لأول مرة منذ 16 عاما، وانتقل هذا الانخفاض إلى البورصات العالمية؛ ليثير التخوف من حدوث انهيار اقتصادي عالمي وعن أبعاد الأزمة الاقتصادية اليابانية وأسبابها وموقف الولايات المتحدة منها، وآثار ذلك على الاقتصاد العالمي يكون حديثنا.
- 1 - بذور الكارثة اليابانية
منذ عشر سنوات والاقتصاد الياباني يعاني من تباطؤ في معدلات النمو انعكس في حجم الطلب وتراجع مستوى النشاط الاقتصادي، وفي كل عام كان خبراء الاقتصاد في اليابان أو في العالم يتوقعون تحسنًا، ولكن الواقع كان دائمًا يخيب هذه التوقعات، وأصبح البحث عن كيفية إنعاش الاقتصاد موضوع الساعة الذي يشغل الاقتصاديين بصفة عامة، ورغم كثرة التحليلات الاقتصادية في هذا المجال، فإن معظمها يتفق على أن أهم أسباب الأزمة الراهنة تتمثل في الآتي:
1/1 وصول حجم الطلب إلى أدنى مستوياته، وهو ما تم تغذيته عن طريق تراجع معدلات النمو في الاقتصاد الأمريكي مما ترتب عليه تقليص الطلب الأمريكي على السلع اليابانية، وبالتالي فشل كل محاولات إنعاش الاقتصاد الياباني حتى الآن.
2.1 عدم الاتسام بالرشد في مجال الإنفاق العام طول السنوات السابقة مما زاد من تراكم الديون العامة إلى 650 تريليون ين ياباني (5.4 تريليونات من الدولارات)، تمثل 130% من إجمالي الناتج المحلي الياباني، وهو المعدل الأسوأ من نوعه بين الدول الصناعية المتقدمة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يصل الدين العام الأمريكي إلى 3.4 تريليونات من الدولارات، أي ما يعادل 34.8% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي.
3.1 وجود عدد من كبار السن والموجودين على قمة النظام السياسي بطريقتهم القديمة في التفكير، وتورط بعضهم في قضايا الفساد وإصرارهم على تجاهل علامات الكارثة التي عانى منها الاقتصاد.
4.1 تراكم الديون المشكوك في تحصيلها وخاصة في الجهاز المصرفي، وعدم تنفيذ الحكومة وعودها بحل هذه المشكلة، بل أخذت هذه المشكلة في التفاقم عندما بدأت الحكومة زيادة نفقاتها العامة خلال السنوات العشر الأخيرة للتغلب على الركود، وزيادة معدلات النمو.
5.1 تراكم الاختلالات في البنوك اليابانية بشكل أقرب إلى الانهيار قبل الأزمة المالية الآسيوية في عام 97/1998؛ مما دفع الحكومة إلى تشكيل لجنة تعرف باسم "لجنة إعادة البناء المالي"، وذلك من أجل تطهير النظام المالي المصرفي في اليابان، والتي كان مقررًا لها أن تنهي أعمالها في عام 2001، ولكنها فشلت في مهمتها، وظلت البنوك محملة بالديون المعدومة، وتراجعت معدلات أرباحها، واستمرت في المغالاة في تقييم العقارات التي تستخدم كضمانات للقروض المصرفية.
هذه الأسباب مجتمعة تفاعلت داخل دولاب الاقتصاد الياباني، ومثلت بذور أزمة بدأت تنمو بعد أن غذّاها الأداء المتراجع للاقتصاد الأمريكي وعدم حل الأزمة المالية الآسيوية نهائيا، وقوى هذا النمو المشاكل السياسية التي بدأت تدب في اليابان.
- 2 ) تصريحات السياسيين زادت في شدة الأزمة
كانت أعراض الأزمة الاقتصادية واضحة في الاقتصاد طوال السنوات الماضية إلا أن الحكومة كما يقول البعض: غضت أبصارها عنها، ومن أهم هذه الأعراض:
1.2 تجاوز الديون المشكوك في تحصيلها في البنوك الحدود المعقولة؛ حيث بلغت محفظة الديون 455 ألف مليار ين ياباني (3900 مليار دولار)، منها 83 ألف مليار ين ياباني تعتبر ديونًا مشكوكًا في تحصيلها.
2.2 تعثر عدد كبير من الشركات الصغيرة، وارتفاع عدد الشركات المفلسة؛ حيث شهد شهر يناير 2001 إفلاس 1258 مؤسسة يابانية كبيرة، وبلغت القيم المتراكمة لمديونياتها 969 مليار ين ياباني (8.2 مليارات دولار)، وهو ما يعني ارتفاع مديونيات الشركات المفلسة بنسبة 60.6% في يناير 2001 مقارنة بشهر يناير 2000.
3.2 تراجع الإنتاج الصناعي بنسبة 3.9% في يناير 2001، وذلك وفقًا لما أعلنته وزارة الاقتصاد والتجارة في اليابان.
4.2 سيطرة الأجانب على سوق المال؛ حيث شكّل الأجانب أكبر قطاع من المشترين؛ لدرجة دفعت البعض إلى التساؤل: ماذا سيكون حال سوق المال في اليابان دون هؤلاء المستثمرين الأجانب؟.
ورغم وجود هذه الأعراض فإن تصريحات السياسيين هي التي عجلّت بإزاحة الستار عن الأزمة الحقيقية لتسلط عليها أنظار جميع دول العالم، ومن أخطر التصريحات تصريح وزير المالية "كيتسن ميازاوا" الذي أدلى به أمام اجتماع للبرلمان الياباني في مارس 2001، ووصف فيه الوضع المالي بأنه على شفا كارثة، ما لم يتم القيام بإصلاحات اقتصادية عاجلة، وخاصة فيما يتعلق بالديون المتراكمة والتي تضع اليابان على رأس قائمة الدول المتقدمة المدينة.
ورغم أن الوزير الياباني عاد واعتذر عن هذه التصريحات فإنها كانت كفيلة بإشعال الأزمة، خاصة وأنها صاحبت مشاكل على الجانب السياسي، وك
تعد اليابان من الناحية الاقتصادية واحدة من أكثر الدول تقدماً في العالم.الا انها في تكوينها الجغرافي تعاني من تقسيمات تضاريسية حكمت عليها الطبيعة القاسية بذلك ، ونجد ان شعب اليابان قد عانى الكثير ليصل إلى ماهو عليه الآن ، ونجد أن اليابان يحتل الناتج القومي الإجمالي (قيمة السلع والخدمات المنتجة في اليابان خلال عام واحد) المرتبة الثانية على مستوى العالم، كما تتمتع العلامات التجارية اليابانية مثل "تويوتا"، و"سوني"، "فوجي فيلم" و"باناسونيك" بشهرة عالمية.
استمدت اليابان مكانتها العالمية بالاعتماد على الصناعةالثقيلة القائمة على تحويل المواد الاولية المستوردة فهي أول منتج للحديد والصلب في العالم وثالث قوة في تكريرالبترول. أول منتج للسيارات وتساهم ب40بالمئة من الإنتاج العالمي للسفن
اليابان ثالث قوة تجارية في العالم ويسجل الميزان التجاري الياباني ربحا سنويا وذلك بتصدير المواد المصنعة ووضع قيود جمركية على المواد المصنعة الاجنبية وبذلك يساهم ب7بالمئة من التجارة العالمية.
يعد التصنيع إحدى ركائز القوة الاقتصادية اليابانية، ولكن مع ذلك، تمتلك اليابان القليل من الموارد الطبيعية. لذلك فإن أحد الأساليب التي تتبعها الشركات اليابانية تتمثل في استيراد المواد الخام وتحويلها لمنتجات تباع محلياً أو يتم تصديرها.
يعد عِلم استخدام الإنسان الآلي أحد أهم المجالات الواعدة للنمو الاقتصادي المستقبلي، والذي تتفوق فيه التكنولوجيا اليابانية على باقي دول العالم. يستطيع "أسيمو"، وهو إنسان آلي شبيه بالبشر قامت شركة "هوندا" بتطويره، السير على قدمين والتحدث بلغات إنسانية. وفي المستقبل القريب، ستشترك الروبوتات الآلية بالعمل في عدد من المجالات وقد يصل الأمر إلى درجة أن تتعايش الروبوتات جنباً إلى جنب بجوار الإنسان ، كما نشاهد في أفلام الخيال العلمي. ومن خلال هذا البحث المصغر سنسرد التطور الاقتصاي لليابان .
المطلب الاول : مرحلة التوحيد القومي وبناء الدولة ( سياسة البلد المغلق):
يستلزم تفسير النجاح الياباني في الوقت الحاضر ضرورة إلقاء نظرة فاحصة على الفترات السابقة من التاريخ الياباني لأن تجربة النهضة اليابانية بعكس غيرها من التجارب العالمية كانت تراكمية ولم تشهد صراعا بين ماضي وحاضر أو اصالة ومعاصرة. ومع أن تلك المهمة ليست سهلة نظرا لأن التاريخ السياسي الياباني يعتبر معقدا جدا ولا يمكن الإحاطة بكل تفاصيله، إلا أنه يكفي القول بأن اليابان في القرن السابع عشر كانت دولة ضعيفة الترابط لكنها ذات مواطنين فخورين بخصائصهم العرقية. ومن جانبها فقد ساهمت المعتقدات الدينية اليابانية على ترسيخ هذا الشعور من خلال تأكيدها على أن اليابان هي مركز الكون. وقد عززت العزلة الجغرافية اليابانية مفهوم شخصية القبيلة المنفصلة الذي ميز أفراد الشعب الياباني وجعل من المستحيل على الأجانب أن يصبحوا جزءا من القبيلة وهو ما جعل اليابان لا تعطي إلا قدرا ضئيلا من الاهتمام بالأجانب. ولا يزال القادة السياسيون اليابانيون يزعمون بأن النقاء العرقي هو واحد من أهم الأسباب للهيمنة الاقتصادية اليابانية في العالم اليوم. وبرغم ذلك الانسجام الثقافي إلا أن اليابان وحتى القرن السابع عشر لم تكن دولة بالمعنى الحديث للمصطلح. وبدلا من ذلك كان النظام السياسي حتى تلك الفترة يستند على ترتيبات إقطاعية وطبقات وظيفية معروفة ومنظمة جيدا يقف على رأسها الإمبراطور "تينو" سليل آلهة الشمس المقدس الذي كان قد تحول منذ زمن طويل إلى شخصية رمزية بعد أن فوض (الشوغان shogun) أو زعيم الحرب إدارة البلاد باسمه (Duus, 1976). وكان حكم الشوغان يتركز في المنطقة الوسطى من اليابان بشكل مباشر بينما كانت الأجزاء الأخرى من البلاد مقسمة بين قرابة 250 (داييموdaimyo) أو إقطاعية كان زعماؤها قد أدو قسم الولاء له.
كذلك أفرزت اليابان الإقطاعية أرستقراطية كبيرة من المحاربين عرفوا بالساموراي Samurai ، الذين برزوا نتيجة للمعارك المستمرة للسيطرة على الأراضي التي نشبت بين ثلاث عشائر مهمة هي: ميناموتو Minamoto، فوجيوارا Fujiwara، و تايارا (Wilson, 1992) Taira. وبينما كان بعضهم مرتبطا بالطبقة الحاكمة كان آخرون منهم مستأجرين، لكنهم جميعا منحوا ولاءهم الكامل لأسيادهم الداييمو مقابل الحصول على أرض أو رواتب مالية. وفي نهاية الأمر تحول جنود الساموراي أنفسهم إلى طبقة أرستقراطية عسكرية متوارثة خلال الفترة من القرن التاسع إلى القرن الثاني عشر الميلادي شكلت قرابة 6% من سكان اليابان بما فيها من جنود غير نظاميين وموظفين ومرؤوسين من ذوي الرتب الدنيا في المؤسسات الإقطاعية (Duus, 1976). ورغم أن هذه الطبقة كانت تشكل من قبل قوة قتالية في أوائل عصر توكوجاوا إلا أنها مع مرور الزمن تحولت إلى طبقة مدنية بيروقراطية متثقفة متوارثة أكثر منها قوة عسكرية دائمة. واحتفظ أفرادها الساموراي بتقليد امتشاق سيوفهـم التقليدية إشارة إلى مراكزهم وحاولوا أيضا التمسك بشهامتهم العسكرية التي كانت إحدى صفاتهم البارزة. ومع ذلك فقد تحولوا واقعيا ومع مرور الوقت من رجال سيف إلى رجال قلم (رايشاور، 1989: 96).
ويشار في هذا السياق إلى أن إعادة توحيد اليابان سياسيا كانت - في الغالب- نتيجة لجهود ثلاثة من القادة العسكريين اليابانيين المتعاقبين بدءا بالقائد "أوبو نوبوناجا" الذي استولى على كيوتو عام ١٥٦٨م بحجة مساندة آخر ملوك عائلة آشيكاجا، ثم تمكن من إخضاع حكام مناطق وسط اليابان الأقل منه سطوة، كما نجح في القضاء على سلطة الرهبان البوذيين إلا أنه اغتيل في عام ١٥٨٢م. ثم خلفه من بعده واحد من أكفأ قادته العسكريين، "هايديوشي" والذي وبرغم كونه ينحدر من أصل اجتماعي شديد التواضع إلا أنه مع ذلك استطاع نشر سلطانه في كل أنحاء البلاد، بعد نجاحه في القضاء على جميع منافسيه من الحكام وإجبارهم على الخضوع له. ولذلك لم يستعمل "هايديوشي" لقب "الشوجان" كأسلافه الحكام ولكنه استطاع فرض قبضته على المناصب العليا في الحكومة الإمبراطورية القديمة، واحتكر لنفسه التجارة الخارجية المربحة كلها، وصادر أسلحة الفلاحين ومنعهم من الهجرة من مزراعهم للإقامة في المدن، ووضع حدا فاصلا بين طبقتهم وطبقة الساموراي الذين امتهنوا العسكرية. وأصبح الساموراي في عهده يتقاضون رواتب ثابتة، وفرض عليهم الانتقال من الإقطاعيات الزراعية للعيش في المدن القلاعية الخاصة بأسيادهم من كبار ملاك الأرض (ريشاور،1989: 88- 90)
مات هايديوشي دون أن يترك بعده وريثا شابا قادرا على خلافته ولذلك شـهـدت اليابان بعد موته صراعا طاحنا حول السلطة انتهى بعد معركة كبيـرة فـي عام 1600م بانتصار أحد أبرز معاونيه "اياسو توكوجاوا" الذي فضل نقل عاصمة حكمه من كيوتو إلى مدينـة (أدو Edo) المعروفة اليوم باسم مدينة طوكيو في المنطقة الشرقية من الـيـابـان (ظاهر، 1999: 37). وقد دشن "توكوجاوا" عهده باستعادة لقب "شوجان" من جديد كما بذل أقصى ما في وسعه لتثبيت عائلته في حكم اليابان وتكريس نفوذها وسيادتها وقد نجح في تحقيق ذلك بالفعل حيث استمر ورثته يحكمون اليابان منذ ذلك الوقت وحتى منتصف القرن التاسع عشر (ريشاور، 1989: 90 ؛ ظاهر، 1999: 37).
فقد أخضع الشوغان اياسو توكوجاوا التابعين المباشرين له من الداييمو لملاحظة شديدة ووضع نظاماً معقداً من التدقيق والتوازنات لتقييد سلطتهم وضمان الإستقرار: فمثلا لم يكن يسمح بعقد الزواج دون موافقة الشوغان خوفا من التحالفات السياسية ولم تشجع إقامة الطرق والجسور بين المحافظات أملا في الحفاظ على عزلتها. وفي سنة 1630م تم تبني سياسة العزلة القومية التي حظرت على اليابانيين السفر للخارج أو بناء السفن القادرة على عبور المحيط، كما منع الأجانب من الدخول إلى اليابان. كما تم وضع نظام للاحتجاز في سنة 1642م يلزم زوجات وأبناء الداييمو بالإقامة الدائمة في العاصمة "أدو" أما الداييمو أنفسهم فكان عليهم قضاء قرابة نصف السنة في العاصمة لضمان ولائهم للشوغان (Craig and Others,1986: 605). ومع تطور حكومة "توكوجاوا" في "إدو" أخذت تـتحول تدريجيا إلى حكومة بيروقراطية كبيرة تضم كبار الملاك من ورثة "الدايميو" وأتباع الملك "الشوجان" المباشرين. واستجابة لميل اليابانيين الفطري للمشاركة الجماعية في الحكم تم إنشاء مؤسسات سياسية كان على رأسها مجلسا الشيوخ والشباب يليهما في الترتيب البيروقراطي تشكيلات مزدوجة من الموظفين أو مجموعات رباعية تقوم بإدارة مختلف الفروع الإدارية في حكومة "الشوجان" وتشرف على كافة شؤون البلاد. وأصبح الملوك أو "الشوجان" منذ ذلك الوقت مجرد رموز للسلطة تماما كما كان عليه الوضع بالنسبة للأباطرة الذين كانت حكومة "توكوجاوا" العسكرية- من الناحية النظرية- تحكم باسمهم. وحدث الأمر نفسه على مستوى الإقطاعيات الزراعية حيث تحول الحكام الإقطاعيين "الدياميو" إلى مجرد شخصيات بارزة. وفي ظل تلك الأوضاع كان البيروقراطيون من الساموراي هم الحكام الفعليين الذين مارسوا الحكم من خلال مجالس تنفيذية تصدر قرارات جماعية(ريشاور، 1989: 91).
وفي محاولتهم ضمان الاستقرار لجأ حكام إيدو المتعاقبين إلى اجتثاث إي مصدر يمكن أن يهدد نظام حكمهم. وقد كان نشاط البعثات التنصيرية الأوروبية الكاثوليكية من بين مصادر الخطر تلك بعد تزايد عدد اليابانيين المعتنقين للمسيحية ومن بينهم عدد من حكام المقاطعات وبعض قادة الساموراي وتزايد الشكوك حول ولاءهم وانتماءهم للوطن، فضلا عن تهديد الأفكار المسيحية الجديدة لنظام القيم الصارم السائد لدى الطبقة العسكرية مما اعتبر خطرا يهدد النظام ودفع حكومة الشوغان إلى اتخاذ قرارها التاريخي بتصفية الوجود المسيحي على الأراضي اليابانية(ظاهر، 1999: 46-51).
لذلك قام "هايديوشي" وخلفاؤه من بعده في بداية الأمر باضطهاد الديانة المسيحية إلى أن تم القضاء عليـهـا قضاء تاما في عام1638م وكانت التجارة الخارجية ضحية للهوس الياباني المعادي للمسيحية الأمر الذي ترتب عليه صدور قرار في عـام 1639م بمنع اليابانيين الذين يعيشون فيما وراء البحار من العودة إلى بلادهم خشية أن ينشروا "جرثومة المسيحية" من جديد في اليابان . ومـن ثـم اقتصر بناء السفن على القوارب الساحلية التي لا تناسب رحلات المحيط الطويلة كما اقتصرت علاقات اليابان بالعالم الخارجي على اتصالاتها المحدودة بكوريا والصين عبر أوكيناوا وتقلصت المراكز التجارية فيها فلم يبق منهـا سـوى مركز تجاري هولندي صغير ومجموعة من التجار الصينيين كانوا خاضعين للمراقبة اليابانية الدقيقة. وهكذا عاشت اليابان العزلة التي فرضتها على نفسها فترة زادت عن مائتي عام تقريبا ريشاور،1989: 91-92).
وأطلق على تلك السياسة التي تبنتها حكومات توكوجاوا المتعاقبة "سياسة البلد المغلق" والتي بموجبها تم طرد كل المنصرين خلال النصف الأول من القرن السابع عشر وقطعت عمليا التجارة الخارجية وحظر بناء السفن الكبيرة وأصبح السفر للخارج جريمة عقوبتها الموت (Kennedy,1987:14-15). ورغم أن العزلة عادة ما ترتبط بالركود الثقافي إلا أن فترة حكم أسرة توكوجاوا التي امتدت زمنا طويلا قد أسهمت من خلال توفيرها للسلام والاستقرار والنمو الاقتصادي في انبعاث نهضة أصيلة كان لها الأثر الأبرز في نقل الاقتصاد الياباني من نمط الإنتاج ما قبل الرأسمالي إلى نمط إنتاج رأسمالي دون الاعتماد على مساعدات خارجية( see,Toby, 1991: 483-512; Moriss-Suzuki, 1994).
كذلك شهدت اليابان في تلك الفترة، كما يقول ريشاور، قدرا كبيرا من
التنوع في المدارس الفلسفية مثل المدرسة الكونفوشسية والمدارس الفلسفية الأخرى كما
أدى الاتصال بالتجار الهولنديين في ناجازاكي في القرن الثامن عشر إلى تنمية الاهتمام
بالعلوم الغربية وخصـوصـا عـلـوم الـطـب والتعدين والمدفعية وهو العلم الذي
أطلقوا عليه اسم "التعليم الهـولـنـدي". باختصار يمكن القول بأن اليابانيين المنعزلين حضاريا كانوا في ذروة حيويتهم الثقافية (ريشاور، 1989). وفي هذا السياق يشار إلى أن اليابان كما يقول مسعود ظاهر:
لم تعزل بشكل تام عن العالم الخارجي كما يعتقد بعض الباحثين، وإنما تمت عزلتها الطوعية بناء على قرار سياسي ياباني قضى بتجنيب اليابان الضغوط الخارجية المتزايدة والانصراف لحل مشكلاتها السياسية والاقتصادية. فسمحت لها تلك العزلة بتطوير قواها الذاتية، وتصليب وحدتها القومية، وتنمية ثقافتها الخاصة، وتطوير بناها الاقتصادية والاجتماعية بمعزل عن المؤثرات الغربية، وتضخيم التراكم المالي النقدي الناتج عن غياب الاستنزاف المالي إلى الخارج عبر التبادل غير المتكافئ (ظاهر، 1999: 51).
المطلب الثاني :مشروع النهضة الأول (إصلاحات الميجي: بلد غني وجيش قوي)
انتهى عمليا قرابة قرنان ونصف من سياسة العزلة والانغلاق مع الوصول المفاجئ للقبطان الأمريكي ماثيو بيري باسطوله البحري إلى سواحل اليابان في سنة 1853م حاملا معه تفويضا رئاسيا بفتح محادثات تجارية مع اليابان ومهددا لها بضرورة فتح أبوابها أمام التجارة الدولية. ولم يكن القبطان بيري يعلم انه كان هناك رجلان يتقاسمان الزعامة في اليابان، الأول هو الإمبراطور الذي لم تكن له إي سلطة فعلية وإنما كان فقط رمزاً للاستمرارية وللثقافة اليابانية المتواصلة منذ آلاف السنين وكان يقيم في "كيوتو" العاصمة الإمبراطورية القديمة للبلاد. والثاني هو الشوغان الذي كان يحكم البلاد فعلاً من موقعه في مدينة "ايدو" التي أصبحت لاحقاً طوكيو بواسطة طبقة من الإقطاعيين أو الداييمو. والواقع أن تهديد قائد الأسطول الأمريكي للسلطات اليابانية قد حقق المراد بعد أن أعطى اليابانيين مهلة سنة لكي يفكروا في الأمر ويفتحوا موانئهم أمام السفن الأمريكية والأوروبية. وبالفعل فقد عاد في العام التالي (1854) وتوصل الى مبتغاه.
فلم يكن أمام الحكومة اليابانية التي كانت تتابع جيدا إخفاق المحاولات الصينية في مقاومة دبلوماسية السفن الحربية الغربية قبل عقد من الزمن سوى القبول بسلسلة من الاتفاقيات المجحفة التي أدت خلال عدة سنوات بعد ذلك إلى فتح عدد من الموانئ اليابانية للتجارة الخارجية. ووضعت تلك الاتفاقيات نهاية لتجربة تكاد تكون فريدة في تاريخ البشرية استمرت أكثر من مائتي عام تخلت فيها اليابان عن تكنولوجيا السلاح الحديثة وارتدت فيها من البندقية إلى السيف. ودفع هذا الانفتاح الإجباري اليابان إلى مأزق حول كيفية الرد على هذا التهديد الخارجي والتقنية المتطورة التي يمتلكها. وبدءاً من تلك اللحظة تسارعت الأحداث ولكن الانفتاح الحقيقي لليابان على الحضارة الغربية لن يحصل إلا بعد تغيير النظام ووصول سلالة الميجي إلى سدة الحكم.
وعموما فقد نتج عن انفتاح اليابان المفاجئ على الغرب اضطراب وفوضى في الأسواق الوطنية اليابانية وزاد النظام النقدي سوءا كرد فعل للأحداث السياسية. كما أن السياسة الدكتاتورية العسكرية التي انتهجها "الشوجان" بوصفه قائد الأمة العسكري التي كانت تبدو مبررة لحماية الأمة أثبتت فشلها في حماية البلاد ومن ثم بات نظام "الشوجان" معرضا لهجوم كل الرافضين للأوضاع الجارية آنذاك وكل المتذمرين من تسلط توكوجاوا المتزايد. وكانت أحداث عام 1853م قد هزت نظام توكوجاوا من أساسه فبدأ هيكله المتقادم في التحلل. ودخل الساموراي في طول البلاد وعرضها في جدل حول سياسات النظام. وعندما أجبرت حكومة "إدو" في عام 1858م على إبرام المعاهدة التجارية مع الولايات المتحدة اشتعلت المشاعر الوطنية ضد فتح البلاد للأجانب وتعـاظـم الـشـعـور الشعبي بضرورة مواجهة التهديد الخارجي بحشد قوى الأمة كلها وطالبت بعض القوى السياسية بإحياء النظام الإمبراطوري من جديد ليحل محل نظام توكوجاوا العسكري ورفعوا شعار "المجد للإمبراطور" تعبيرا عن مطلبهم هذا مقترنا بالصيحة الوطنية العامة التي رفعت شعار "اطردوا البرابرة " ليخرج من الشعارين شعار جديد واحد يتكون من أربع كلمات وهي "ليحيا الإمبراطور وليطرد البرابرة" (ظاهر، 1999: 105).
وفي نهاية الأمر كونت الإقطاعيتان الكبيرتان "ساتسوما" و "كوشو" وبعض إقطاعيات أخرى بعيدة وإقطاعيات صغيرة ثانوية ائتلافا فيما بينها استطاعت من خلاله سحق الحكومة الإقطاعية المتداعية في انقلاب محدود العنف في 3 يناير من عام 1868م وإنشاء حكومة ثورية جديدة بزعامة الإمبراطور الشاب «موتسوهيتو» الذي أطلق عليه لقب «الميجي» الذي يعني حرفياً: الحاكم المستنير وقد كان مستنيراً بالفعل فهو الذي حقق النهضة اليابانية. وأعلن باسم الإمبراطور عودة الحكم الإمبراطوري المباشر وإنهاء حكم أسرة "توكوجاوا" الذي استمر أكثر من مائتي عام. وفي عام1869م نقلت الحكومة الجديدة الإمبراطور إلى القلعة الملـكـيـة فـي "إدو" العاصمة وأطلقت عليها اسما جـديـدا هـو "طـوكـيـو" أي الـعـاصـمـة الشرقية. وكانت جميع الأعمال الحكومية تتم باسم الإمبـراطـور وعـرفـت عملية هذا التحول العظيم في تاريخ اليابان باسم "حركة إعادة ميجي الإصلاحية"
وبينما تمت إعادة تأهيل الإمبراطور كرمز للسلطة السياسية فإن القوة الحقيقية كانت بيد الطبقة الأوليجاركية التي استولت عليها والتي شملت مجموعة الإقطاعيين (الداييمو) الذين أقصوا الشوغان، وأفراد الساموراي التقدميين والمتعلمين وخاصة الذين كانوا على دراية بالغرب(Duus, 1979). ومع ذلك يجب أن تفهم عملية إعادة الإمبراطور في إطار الأسس الإيديولوجية للمجتمع الياباني. فالثورات الفرنسية 1789م والبلشفية 1917م والإيرانية 1979م كلها أدت إلى القضاء على الأسر الإمبراطورية وقتلت أو نفت الإمبراطور. أما في اليابان فقد أعيدت الصلاحيات للإمبراطور وأعطي للمرة الأولى منذ قرابة ألف سنة سلطة تنفيذية. كذلك فبرغم رفض الحركة الإصلاحية لمؤسسات البوذية والشوغان والساموراي، إلا أنه من المؤكد أن الكتلة الأوسع من أفراد طبقة الساموراي الأكثر فقرا والأكثر تقدمية هي التي وفرت القاعدة والنشاط في فترة الميجي، وذلك بانخراطهم في مجالات التجارة والأعمال والتعليم والحكومة والجيش بأعداد كبيرة. أما الساموراي الأفضل حالا فقد أصبحوا حكاما وسفراء. ولذلك فقد كان الإجماع وليس الخلاف هو سيد الموقف في عملية التحول اليابانية، ومن ثم لم تكن حركة ميجي ثورة أو انقطاعا عن الماضي بقدر ما كانت إعادة توازن للسلطة والقوة ضمن البناء الياباني. وفي هذا السياق يقول هال (Hall, 1970) أن تلك الحركة كانت محتواة حصرا ضمن الجماعة القديمة الممسكة بالقوة وتحديدا ضمن طبقة الساموراي وأنها قد أعتمدت على الاستمرارية القوية لرموز الولاء والقيم السياسية. ولذلك فإن ما حدث أنذاك كان في جوهره بمثابة ردة فعل سياسية مقيدة أسهمت في إحداث حركة تحديث "فوقية"(Hall, 1970: 247) .
ومنذ البداية أدرك بعض اليابانيين أن الدفاع الوحيد عن بلادهم ضد الغرب لن يتم دون أن يكون لليابان تفوقها التكنولوجي نفسه في المجالين العسكري والاقتصادي. وبهذا فقط يمكن طرد البرابرة حين يتحقق لليابان التكافؤ مع الغرب في كلا المجالين. بعدها رفع اليابانيون شعارا جديدا من أربع كلمات أيضا هو "بلد غني وجيش قوي". وبرغم أنه كان هناك إجماع عام حول الحاجة إلى تطوير وتعزيز القدرات الدفاعية القومية إلا أنه كان هناك جدلا كبيرا حول دور الأجانب والتعليم الأجنبي.
وقد وقع عبء رسم السياسات وتنفيذها على كاهل مجموعة من شباب الساموراي الأقوياء الإصلاحيين من ذوي الرتب الكبيرة والمتوسطة ومعظمهم من الإقطاعيتين الكبيرتين "ساتسوما" و "كوشو". وتولت هذه المجموعة من الساموراي الشباب الذين تحولوا إلى بيروقراطيين مهمة الإشراف الثوري على الاقتصاد السياسي لليابان وتجارتها الخارجية ومؤسساتها المختلفة من جيش وإدارة واقتصاد. وكان أولئك القادة يتابعون ما يجري من تمزيق لأوصال الصين المجاورة على أيدي القوى الأوربية المحتلة في حروب الأفيون وأدركوا بالتالي أهمية اتخاذ قرار سريع لتجنب مصير مشابه. وانطلاقا من كونهم تجار جيدين فقد أقتنع القادة اليابانيون بالعلاقة الوثيقة بين التنمية الاقتصادية والتصنيع من جهة والقوة العسكرية والسياسية من جهة أخرى. ولذلك دشنوا سياسة قومية ميركنتالية تقوم على مزامنة بناء "بلد غني وجيش قوي". وقد أفاد اليابانيون الذين كانوا على معرفة بالتكنولوجيا الغربية من خلال دراساتهم "للتعليم الهولندي" إفادة كبيرة في محاولة وضع هذا الشعار موضع التنفيذ. ولما كانت اليابان قد فتحت أبوابها - بالفعل- للغربيين أو البرابرة كما أطلقوا عليهم فقد نجحت في استخدام أولئك "البرابرة" أنفسهم في محاولة تحقيق شعار "دولة غنية وجيش قوي".
أما المهمة الأكثر صعوبة التي واجهت النظام الجديد كما يورد ريشاور فقد كانت:
مهمة إلغاء التقسيمات الطبقية و الامتيازات الخاصة التي تمتع بها أفراد طبقة الساموراي وكرسها النظام القديم. فمع زوال الإقطاعيات الزراعية فقد السـامـوراي وضعهم المتميز كطبقة بيروقراطية متوارثة . وفي عام1876م لنظام التجنيد الإجباري العام محل نظام الخدمة العسكرية الـقديم القائم على أسـاس طبقي. وصدرت الأوامر في العام نفسه لمنع الساموراي من امتشاق سيوفهم وشاراتهم المميزة. كما تم تخفيض معاشاتهم قبل أن تتحول في العام نفسه إلى مبلغ صغير شامل أو سندات حكومية دفعتها لهم الحكومة دفعة واحدة. أي أن النظام الجديد – باختصار استطاع خلال ثماني سنوات فقط تجريد الساموراي من جميع امتيازاتهم الخاصة لتبدأ اليابان أكبر تغيير حول مجتمعها خلال جيل أو جيلين من مجتمع يتحدد كيانه على أساس التوارث إلى مجتمع يعتمد بدرجة كبيرة على التعليم وما ينجزه المواطن الياباني من أعمال (ريشاور، 1989: 108-109).
ولم تكن امتيازات طبقة الساموراي هي العقبة الوحيدة أمام بناء دولة حديثة. فلم يكن يسمح للفلاحين، خلال النظام الإقطاعي، بامتلاك الأرض أو تغيير إقامتهم أو مهنهم، كما لم يكن يسمح لافراد الساموراي بالعمل في الزراعة ولذا اعتبرت الطبقة الأوليجاركية تلك الممارسات عقبات أمام التنمية الصناعية وعملت على إزاحتها. وهذا ما دفع أصلاحيي ميجي إلى تبني سياسة الإصلاح الزراعي، بعد فترة قصيرة من إزاحة زعماء الإقطاعيات العسكريين، والتي سمحت للفلاحين بتملك الأرض، التي كانوا يزرعونها فقط لصالح السيد الإقطاعي، والمتاجرة بعوائدها. وبهذه السياسة حوّل الأصلاحيون حياة الفلاحين من حياة الكفاف إلى فلاحين قادرين على دفع الضرائب بعدما أصبحوا منتجين لفائض يوجه إلى السوق، كما عملت على القضاء على التكتلات الاحتكارية التي كانت تقيد حرية الوصول إلى الأسواق الرئيسة (Craige & Others, 1986: 1050) . من جانب أخر أدخلت ثورة ميجي إصلاحات في مجال التعليم من أجل تحقيق هدفين أساسيين هما تعزيز التنمية الاقتصادية ونشر القيم القومية وترويجها. وطال الإصلاح مجال التجنيد أيضا الذي أستخدم ليس من أجل أنشاء جيش قوي فقط وإنما أيضا لتحويل الفلاحين إلى وطنيين يحافظون على القانون والنظام في الداخل والخارج(Bowen, 2006: 9). وبرغم ذلك يمكن القول أن عملية التحديث تلك لم تسر بدون عراقيل او صعوبات حيث قاومت شريحة من الطبقة الاقطاعية القديمة المرتبطة بالشوغان الإصلاحات الجديدة التي اتخذها الإمبراطور ولم تقبل بفقدان امتيازاتها ومصالحها وأراضيها ولذلك ثارت مرتين عليه في عام 1874، و1877 وانتهت المعركة لصالح الجيش الامبراطوري وعندها اصبح إمبراطور الميجي مطلق الصلاحيات في البلد وألغى منصب الشوغان الذي كان ينافسه وأصبح الإمبراطور هو الحاكم الفعلي لليابان.
المطلب الثالث :اليابان تدخل المجتمع الدولي :
وبعد قرون من الانعزال اعترفت النخبة الجديدة بأهمية التّعلم من العالم الخارجي لذا تم إرسال مجموعات كبيرة من الشباب الياباني في بعثات دراسية إلى الغرب في الوقت نفسه الذي اتجهت فيه أنظارها بداية إلى أوربا وبدرجة أقل إلى الولايات المتحدة للاستفادة منها في إنشاء الجيش والشرطة والمدارس والنظام القانوني وغيرها من المؤسسات السياسية والاجتماعية واختارت من النماذج الأوربية ما اعتقدت أنه أفضل عصره آنذاك لكنها فضلت تلك التي كانت تنسجم مع الممارسات اليابانية السائدة، ولذا كان تفضيل النخبة الجديدة لنظام الشرطة الفرنسي الذي كان مركزيا على النموذج البريطاني الذي كان بالمقارنة لا مركزيا، كما استعارت نظام التعليم الفرنسي والبيروقراطية الألمانية(Bowen, 2006) . ولاحقا وفي فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى وعندما بحثت الشركات اليابانية الكبرى عن أساليب لرفع الكفاءة بدون صدام عمالي اتجهت تلك الشركات إلى الولايات المتحدة – التي كانت تشهد تصنيعا متناميا بدون وجود حركة عمالية قوية- واستعارت منها ممارسات مثل الإدارة الصناعية و رأسمالية الرفاه والمعرفة التقنية.
كذلك عندما توصل إصلاحيو ميجي إلى خلاصة أساسية مفادها أنه لا يمكن الاعتماد على قوى السوق الطبيعية وحدها للاتجاه نحو التصنيع واللحاق بالغرب قرروا استخدام الدولة لإحداث ثورة فوقية. ومن ثم أتسمت سياسة حكومة ميجي منذ ذلك الحين باستخدام النفوذ السياسي من أجل خلق تراكم رأسمالي وبناء جيش حديث. وركزت هذه السياسة إلى توظيف ثروة الدولة لتمويل مؤسسات كل من القطاعين العام والخاص في اليابان مع توجيه رأسمال الدولة نحو إنشاء وتطوير صناعات ذات علاقة وثيقة الجيش مثل بناء السفن، الصلب، المناجم، والسكك الحديدية، والتلغراف. وكانت الدولة تعمد إلى بيع تلك الصناعات عندما تبدأ في تحقيق الأرباح لرجال أعمال ممن كان لهم علاقات وثيقة بالقيادة السياسية وهي علاقات ازدادت رسوخا مع تنامي المصالح بين الدولة والقطاع الخاص. وقد هدفت تلك السياسة التي أطلق عليها تشالمرز جونسون(Johnson, 1987) "الدولة التنموية" تحقيق شعار "دولة غنية وجيش قوي" على أرض الواقع.
وبالفعل نجحت قطاعات يابانية منظمة جيدا من البيروقراطيين والعسكريين والصناعيين بشكل ملفت للنظر في تحويل شعار "بلد غني وجيش قوي" إلى واقع ملموس، حيث برزت اليابان كأول اقتصاد رأسمالي صناعي غير غربي وأول قوة إمبريالية غير غربية. وقد كان لبيروقراطية الدولة تحت الإدارة الكفؤة للساموراي السابقين دورا حاسما في حركة التصنيع هذه في ظل قيادة الإمبراطور ميجي، بالتعاون الوثيق مع عدد ضخم من الشركات الخاصة الخاضعة لسيطرة عائلية والتي تربط ما بين المنشآت الصناعية والتجارة والمالية في شبكة سميكة ومعقدة من العلاقات عرفت باسم (زايباتسو Zaibatsu ) . وفي هذا السياق يشير ريشاور إلى أن النظام الجديد قد بذل:
كل الجهود لتحديث الاقتصاد الياباني. فأقام نظاما مصرفيا حديثا، وأصلح النظام النقدي فأصبحت الوحدة النقدية هي الين الياباني الذي كان يساوي في ذلك الوقت نصف دولار تقريبا. وأقام النظام الجديد الفنارات، وعمل على تطوير الموانئ والمرافئ، وربط اليابان كلها بشبكة تلغرافية، ومد خطوط السكة الحديدية. وفي عام١٨٧٢م مد خط حديدي بين طوكيو ومينائها يوكوهاما، وارتقى مستوى إنتاج الحرير من خلال استخدام بكرات الخيوط الحريرية الميكانيكية........ وقد أقامت الحكومة بنفسها الصناعات الإستراتيجية، مثل إنتاج الأسلحة والذخائر، وتطوير التعدين، كما قامت بدور رائد في اقتحام مجال المصانع التجريبية، فضلا عن مجموعة متنوعة من الصناعات الأخرى (ريشاور،1989: 109-110).
اعتبرت الفترة منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الربع الأول من القرن العشرين فترة انتعاش لليابان حققت فيها إنجازات كبيرة. لم يكن لليابان آنذاك إلا همّ واحد: اللحاق بركب الحضارة الغربية بأي شكل كان وردم الهوة السحيقة التي تفصل بين تخلف اليابان وتقدم الغرب وكانت نتيجة ذلك الجهد مشجعة بل وأكثر من ذلك كانت معجزة. وبرغم أن الإمبراطور كان في مقتبل العمر عند استعادته صلاحياته إلا أن شخصيته كانت محورية في أسطورة التحديث اليابانية. كما أنه قد أحاط نفسه بمجموعة من الساموراي الشباب المصممين على تحديث اليابان- وليس بالضرورة تغريبه- وهو ما أسهم في بروز شعور قوي بالقومية اليابانية. ففي أقل من خمسين سنة تحولت اليابان من وضع العزلة خلف المحيطات إلى أن تصبح أول قوة عالمية غير غربية في الاقتصاد السياسي الدولي. وخلال عدة عقود بعد ذلك استطاعت اليابان ذات الدرجة المتسارعة من التصنيع هزيمة كل من الصين وروسيا في انتصارات عسكرية حاسمة وبدأت مرحلة من التوسع الإمبريالي المنتظم عبر آسيا. وفي تفسيره لذلك الإنجاز الياباني يؤكد مسعود ظاهر على دور التراكم المادي خلال فترة توكوجاوا حيث يشير إلى أن إصلاحات الامبراطور مايجي قد قامت:
على ركائز داخلية متينة نتجت عن تراكم الإيجابيات الكثيرة التي تجمعت إبان مرحلة العزلة الطوعية. وعندما توفرت لها القيادة السياسية المتنورة، والانتلجنسيا الواعية التي تثقفت بثقافة عصرية معمقة دون القطع مع ثقافتها اليابانية الأصيلة أو التنكر لها، والالتفاف الشعبي العارم، استطاعت اليابان بناء نهضة متميزة في التحديث غير قابلة للارتداد، وهي التجربة الأولى خارج تجارب التحديث الغربية (ظاهر، 1999: 356).
وإجمالا يمكن القول أنه برغم أن اليابان قد استيقظت على وقع دبلوماسية السفن العدوانية وشهدت التهديد بالاحتلال الأجنبي لكنها في النهاية، وبعكس غيرها من شعوب العالم غير الأوربية لم تخضع للاستعمار الإمبريالي. بل على العكس من ذلك دشنت اليابان تحت قيادة حكومة الإمبراطور ميجي جهدا خارقا لاكتشاف أسرار القوة الأوربية واستخدامها لتعزيز قوة البلاد من الداخل ثم الاندفاع إلى الخارج بعد انتصاراتها على الصين وروسيا في بدايات القرن العشرين. وقد عززت تلك الانتصارات موجات التصنيع في السنوات اللاحقة وهو ما دفع باليابان إلى التحول إلى "دولة عظمى" في بدايات القرن العشرين.
ومع ذلك فقد كان للشعور بأن قدر اليابان هو في توحيد جيرانها الآسيويين تحت
هيمنتها فضلا عن المطالب المتنامية للمركب الصناعي-العسكري المتعاظم دورا في
تدهور علاقات اليابان مع كل من جيرانها الآسيويين والقوى الغربية خلال الثلاثينات من
القرن العشرين مع توسع الإمبراطورية اليابانية وتحولها إلى دولة إمبريالية ذات نزعة
عسكرية توسعية مما أدى إلى دخول اليابان في حرب مع الصين أولا ثم مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين كانت نتيجتها فيما بعد هزيمة عسكرية واحتلال أمريكي لأراضيها في الحرب العالمية الثانية.
المطلب الأول : الاحتلال الأمريكي وإعادة برمجة اليابان
كما انتهت سياسة العزلة اليابانية في القرن التاسع عشر فجأة نتيجة لتهديد خارجي فكذلك كان الحال مع توسعها الإمبريالي في القرن العشرين الذي انتهى هو الأخر فجأة لكنه اتخذ هذه المرة شكل الهزيمة العسكرية والاحتلال العسكري الأمريكي لليابان خلال الفترة من 1945-1951م. وكما فعل القبطان بيري سابقا أجبر الجنرال الأمريكي ماك أرثر اليابانيين على القبول بعمليات تغيير واسعة النطاق في مؤسسات البلاد الرسمية والاجتماعية والاقتصادية. فقد أعتبر ماك أرثر اليابان المهزومة بمثابة معمل رائع لتجربة تحرير شعب من حكم عسكري شمولي وخلق حكومة ليبرالية. كما اعتبر نفسه يقوم بدور المهندس الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وأعتقد أن واجبه كان يتمثل في إعادة بناء اليابان من الأعلى حتى قاعدة الهرم. وخلال سنة من تسلمه المهمة أعلن أن "ثورة روحية" تحت إشرافه الخيّر قد أنهت حكم زعماء الاقطاع التقليدي في اليابان ومنحت اسلوب الحياة الأمريكي الديموقراطي لليابان. ولخص جون داورDower المتخصص في الشأن الياباني بشكل رائع الاهداف الرئيسة للاحتلال والتناقضات الرئيسة التي احتوتها بقوله "كان سينزع سلاح اليابان من قبل الجيش الأمريكي، وتفكك المركزية بواسطة النظام الهرمي للجيش الأمريكي، وتفرض الديموقراطية من الأعلى. لقد كان على اليابان أن تشهد ثورة مجهولة المصدر، وسلمية، وبدون ثوار" (Dower,1971: 147).
ومن بين الهدفين اللذان حددتهما إدارة الاحتلال كان نزع سلاح اليابان هو الاسهل في التنفيذ بكل وضوح. حيث بدأ ذلك مع إعلان الإمبراطور هيروهيتو في 14 اغسطس 1945م عن إستسلام اليابان غير المشروط واتبع بسلسلة من القرارات، ومن ضمنها بند السلام وإدانة الحرب الذي ضمن في الدستور، التي أكدت جميعها على يابان منزوعة السلاح. أما الهدف الثاني للاحتلال، الدمقرطة، فلم يكن سهل التنفيذ حيث افترض الساسة الأمريكيون أن عليهم إحداث تغييرات جذرية في كل مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية اليابانية، وهو ما كان يعني الذهاب إلى ما هو أبعد من مجرد كتابة دستور جديد. ومع ذلك فقد بدأ ماك أرثر تنفيذ خطته تلك لإعادة صياغة اليابان وتحويلها إلى سويسرا آسيا حيث عمد مع فريقه الإداري بتصفية الجيش والتجمعات القومية المحافظة ومعظم القادة السياسيين في زمن الحرب وقادة قطاعات الأعمال (زايباتسو) (Miller, 2005:36). وأدت هذه التصفية إلى القضاء على الطبقة العسكرية واستبدال الزعماء السياسيين القوميين بتكنوقراط واستبدال أسر (زايباتسو) بمدراء محترفين. والأكثر أهمية أنها تركت البيروقراطية متماسكة وفي وضع قوي جدا في مقابل الجماعات الأخرى. وقد ترأس ماك أرثر بنفسه عملية إعادة كتابة الدستور الياباني (ومن ضمنها الفقرة المتعلقة بالتخلي الدائم عن استخدام القوة أو بناء قوة عسكرية هجومية)، فضلا عن توسيع نطاق التصويت لكل الرجال والنساء وضمان حقوق مدنية للمواطنين اليابانيين شبيهة بتلك السائدة في أمريكا. كما عمد إلى القضاء على نفوذ تكتلات زايباتسو ومن ضمنها مؤسسات ضخمة مثل ميتسوي، وميتسوبيشي، وسوميتومو، مع إصرار مماثل على إعادة صياغة الثقافة السياسية اليابانية. وفي وصفه لهذه العملية كتب هندري Hendry:
قامت حكومة الاحتلال بحظر المناهج التي كانت مستخدمة قبل الحرب العالمية الثانية لأنها ساعدت في تشجيع الحماسة القومية التي أدت باليابان إلى الهزيمة. حيث علمت تلك المناهج اليابانيين الأسطورة على أنها تاريخ، وشجعت كل الشعب الياباني في كل مكان على اعتبار أنفسهم منحدرين من سلالات فرعية للسلالة الإمبراطورية ....... كذلك تم حظر تعليم الإيديولوجية الشنتوية في المدارس بعد الحرب مباشرة. وتم تدريس قيم غربية جدا ومعظمها أمريكي تعرض لحياة أبطال مثل بنجامين فرانكلين وتقدمها كنماذج قدوة للأطفال. وبالتدريج تم إدخال مواد أكثر "يابانية" في المحتوى ومناسبة للأبطال اليابانيين لاضفاء صبغة محلية على نسق القيم الجديد. ومع ذلك بقي محتوى مناهج المدارس موضوعا لخلاف كبير (Hendry, 1997: 260).
غير أنه مع "فقدان الصين" وظهور نذر الحرب الباردة بدأ ماك أرثر والحكومة الأمريكية يخشون من سقوط اليابان كذلك في قبضة الشيوعية. وهذا أدى بدوره إلى تغيير جذري في سياسة الاحتلال في سنة 1947م حيث تم التخلي عن التأكيد السابق بتحويل اليابان إلى سويسرا أخرى لصالح يابان واحدة وموحدة لكنها مع ذلك غير مسلحة وحليفة للغرب تتمتع بكل الدعم والحماية الأمريكية كدولة تابعة. وبناء على ذلك تم إعادة تأهيل عدد من السياسيين المحافظين الداعمين للتحالف( كان عدد منهم قد تم إقصاءه) الذين استطاعوا الهيمنة على السياسة اليابانية. كما برزت مرة أخرى أسر زايباتسو ولكن كتنظيم أقل صرامة وتعرف (كيريتسو Keiretsu ) والتي استطاعت بسرعة استعادة هيمنتها على الاقتصاد الياباني. وبنهاية الاحتلال أعادت مؤسسات زايباتسو الكبيرة (ميتسوي، ميتسوبيشي، وسوميتومو وغيرها) بناء نفسها وتوسيع نشاطها وعملت على إنشاء شبكة مجموعات الشركات التي تسيطر على الاقتصاد الياباني في الوقت الحاضر (جراي، 2000: 242). ومع وجود بيروقراطية نخبوية كفؤة على القمة وكحليف مفضل للولايات المتحدة كانت اليابان جاهزة لبدء استراتيجيتها المذهلة لردم الفجوة في مرحلة ما بعد الحرب.
وتأسيسا على ذلك يمكن القول أنه مع إعادة قوات الاحتلال الأمريكية السيادة القومية إلى اليابانيين في سنة 1952م برز نمطان سياسيان يبدوان متناقضين. فمن جهة كان يفترض أن تحكم اليابان بواسطة واحد من أكثر دساتير العالم ديمقراطية صمم لكي يتخلص من الحكم الأوليجاركي الذي شجع على نشوء الحكومات العسكرية في عقدي الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين. ومن جهة أخرى دفعت الضرورات البرجماتية للحرب الباردة اليابان نحو اتجاه أقل ديمقراطية مما مهد الطريق لشخصيات سياسية ذات مواقف شبيهة للنخب القديمة بتسلم مقاليد السلطة (Bowen, 2006).
المطلب الثاني : الهيكل الاقتصادي اليابان
وقد تم تصنيع أساس اقتصاد اليابان منذ 1960s والحسابات اليوم لأكثر من 20 ٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية. الالكترونيات والسيارات والصناعات ما زالت تهيمن على قطاع الصناعة التحويلية في اليابان وكان لها نجاحا كبيرا في اختراق الأسواق الدولية. على حد سواء ومع ذلك فقد عانت في السنوات الأخيرة من قوة الين ، التي دفعت موجة من الاستثمارات المباشرة في الخارج أقل تكلفة من البلدان ، إلى آسيا على وجه الخصوص.
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2004 ويبين التقرير أن 11.8 ٪ من عدد سكان اليابان يعيشون تحت خط فقر الدخل (50 في المائة من متوسط دخل الأسرة المعيشية). إجمالي الالتحاق الأولية ، التي تشير في المائة من السكان في سن الالتحاق بالمدرسة ، هو 101 ٪ ، مع كل من الذكور والإناث المسجلين منصف. ويبلغ معدل إلمام البالغين بالقراءة والكتابة 99 ٪. 9th اليابان في المرتبة 177 من بلدان العالم من حيث مؤشر التنمية البشرية.
اليابان هي أيضا أكبر شركة في العالم لصناعة الآلات المكنية ، فإن الكثير من الناتج الذي هو تصديرها إلى بلدان مثل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. اليابان هي أيضا واحدة من أهم المحطات العالمية والحديد والصلب وصناع.
وخلال 1970s ، شهد العالم تحولا أساسيا في الهيكل الصناعي في اليابان من التركيز على الصناعة الثقيلة لتطوير حقول جديدة ، مثل صناعة اشباه الموصلات اندماج بين أطراف متعددة.
وبحلول أواخر 1970s ، الكمبيوتر ، أشباه الموصلات ، وغيرها من تكنولوجيا المعلومات والصناعات كثيفة قد دخلت فترة من النمو السريع.
النسبة المئوية من الذين يعيشون في المدن اليابانية ارتفعت تدريجيا تورم القوة العاملة الصناعية. النمو الاقتصادي بدعم قوي من القطاع الخاص للاستثمار التسهيلات تستند إلى ارتفاع نسبة المدخرات الشخصية ، وكان يرافقه تغييرات كبيرة في الهيكل الصناعي في اليابان.
النمو البطيء للاقتصاد في أواخر 1990s أدت بعض الناس للتعبير عن المخاوف بشأن القدرة التنافسية للصناعة اليابانية. لا يزال ، والابتكار التكنولوجي مكن اليابان لاستعادة قوي في السوق في بناء الآلات على نطاق واسع ، مع الحفاظ على مكانتها الرائدة في صناعات أشباه الموصلات والسيارات. ومن السمات البارزة للاقتصاد اليابان هو أنها تتألف من اثنين من مستويات متميزة بين الكبيرة والقوية والشركات المتعددة الجنسيات ، وكثير منها الآن أسماء الأسر المعيشية في الخارج في العقود الثلاثة الماضية ؛ وفرة من الصغيرة ، وكثيرا ما تملكها الأسرة ، والمؤسسات والشركات المتوسطة الحجم ، مع 300 أو عدد أقل من الموظفين. هذه الحسابات ل99 ٪ من الصناعات التحويلية الشواغل. هذا من شقين
هيكل قد استشهد بها باعتبارها واحدة من الأسباب لدينامية بعض أجزاء من الصناعة في اليابان ، مع أصغر الشركات التي توفر المرونة والابتكار ، التي غالبا ما تكون غير متوفرة في المؤسسات الأكبر.
المطلب الثالث : تأثر اليابان بأزمة الكساد العالمي ( 1929م ) :
في منتصف مارس 2001 حبس العالم أنفاسه بسبب الانخفاض الحاد الذي شهدته بورصة طوكيو لأول مرة منذ 16 عاما، وانتقل هذا الانخفاض إلى البورصات العالمية؛ ليثير التخوف من حدوث انهيار اقتصادي عالمي وعن أبعاد الأزمة الاقتصادية اليابانية وأسبابها وموقف الولايات المتحدة منها، وآثار ذلك على الاقتصاد العالمي يكون حديثنا.
- 1 - بذور الكارثة اليابانية
منذ عشر سنوات والاقتصاد الياباني يعاني من تباطؤ في معدلات النمو انعكس في حجم الطلب وتراجع مستوى النشاط الاقتصادي، وفي كل عام كان خبراء الاقتصاد في اليابان أو في العالم يتوقعون تحسنًا، ولكن الواقع كان دائمًا يخيب هذه التوقعات، وأصبح البحث عن كيفية إنعاش الاقتصاد موضوع الساعة الذي يشغل الاقتصاديين بصفة عامة، ورغم كثرة التحليلات الاقتصادية في هذا المجال، فإن معظمها يتفق على أن أهم أسباب الأزمة الراهنة تتمثل في الآتي:
1/1 وصول حجم الطلب إلى أدنى مستوياته، وهو ما تم تغذيته عن طريق تراجع معدلات النمو في الاقتصاد الأمريكي مما ترتب عليه تقليص الطلب الأمريكي على السلع اليابانية، وبالتالي فشل كل محاولات إنعاش الاقتصاد الياباني حتى الآن.
2.1 عدم الاتسام بالرشد في مجال الإنفاق العام طول السنوات السابقة مما زاد من تراكم الديون العامة إلى 650 تريليون ين ياباني (5.4 تريليونات من الدولارات)، تمثل 130% من إجمالي الناتج المحلي الياباني، وهو المعدل الأسوأ من نوعه بين الدول الصناعية المتقدمة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يصل الدين العام الأمريكي إلى 3.4 تريليونات من الدولارات، أي ما يعادل 34.8% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي.
3.1 وجود عدد من كبار السن والموجودين على قمة النظام السياسي بطريقتهم القديمة في التفكير، وتورط بعضهم في قضايا الفساد وإصرارهم على تجاهل علامات الكارثة التي عانى منها الاقتصاد.
4.1 تراكم الديون المشكوك في تحصيلها وخاصة في الجهاز المصرفي، وعدم تنفيذ الحكومة وعودها بحل هذه المشكلة، بل أخذت هذه المشكلة في التفاقم عندما بدأت الحكومة زيادة نفقاتها العامة خلال السنوات العشر الأخيرة للتغلب على الركود، وزيادة معدلات النمو.
5.1 تراكم الاختلالات في البنوك اليابانية بشكل أقرب إلى الانهيار قبل الأزمة المالية الآسيوية في عام 97/1998؛ مما دفع الحكومة إلى تشكيل لجنة تعرف باسم "لجنة إعادة البناء المالي"، وذلك من أجل تطهير النظام المالي المصرفي في اليابان، والتي كان مقررًا لها أن تنهي أعمالها في عام 2001، ولكنها فشلت في مهمتها، وظلت البنوك محملة بالديون المعدومة، وتراجعت معدلات أرباحها، واستمرت في المغالاة في تقييم العقارات التي تستخدم كضمانات للقروض المصرفية.
هذه الأسباب مجتمعة تفاعلت داخل دولاب الاقتصاد الياباني، ومثلت بذور أزمة بدأت تنمو بعد أن غذّاها الأداء المتراجع للاقتصاد الأمريكي وعدم حل الأزمة المالية الآسيوية نهائيا، وقوى هذا النمو المشاكل السياسية التي بدأت تدب في اليابان.
- 2 ) تصريحات السياسيين زادت في شدة الأزمة
كانت أعراض الأزمة الاقتصادية واضحة في الاقتصاد طوال السنوات الماضية إلا أن الحكومة كما يقول البعض: غضت أبصارها عنها، ومن أهم هذه الأعراض:
1.2 تجاوز الديون المشكوك في تحصيلها في البنوك الحدود المعقولة؛ حيث بلغت محفظة الديون 455 ألف مليار ين ياباني (3900 مليار دولار)، منها 83 ألف مليار ين ياباني تعتبر ديونًا مشكوكًا في تحصيلها.
2.2 تعثر عدد كبير من الشركات الصغيرة، وارتفاع عدد الشركات المفلسة؛ حيث شهد شهر يناير 2001 إفلاس 1258 مؤسسة يابانية كبيرة، وبلغت القيم المتراكمة لمديونياتها 969 مليار ين ياباني (8.2 مليارات دولار)، وهو ما يعني ارتفاع مديونيات الشركات المفلسة بنسبة 60.6% في يناير 2001 مقارنة بشهر يناير 2000.
3.2 تراجع الإنتاج الصناعي بنسبة 3.9% في يناير 2001، وذلك وفقًا لما أعلنته وزارة الاقتصاد والتجارة في اليابان.
4.2 سيطرة الأجانب على سوق المال؛ حيث شكّل الأجانب أكبر قطاع من المشترين؛ لدرجة دفعت البعض إلى التساؤل: ماذا سيكون حال سوق المال في اليابان دون هؤلاء المستثمرين الأجانب؟.
ورغم وجود هذه الأعراض فإن تصريحات السياسيين هي التي عجلّت بإزاحة الستار عن الأزمة الحقيقية لتسلط عليها أنظار جميع دول العالم، ومن أخطر التصريحات تصريح وزير المالية "كيتسن ميازاوا" الذي أدلى به أمام اجتماع للبرلمان الياباني في مارس 2001، ووصف فيه الوضع المالي بأنه على شفا كارثة، ما لم يتم القيام بإصلاحات اقتصادية عاجلة، وخاصة فيما يتعلق بالديون المتراكمة والتي تضع اليابان على رأس قائمة الدول المتقدمة المدينة.
ورغم أن الوزير الياباني عاد واعتذر عن هذه التصريحات فإنها كانت كفيلة بإشعال الأزمة، خاصة وأنها صاحبت مشاكل على الجانب السياسي، وك
- BcYoucefالمدير العام
- نـــوعـى* :
مـوطنـى* :
عـمـلـى * :
هـوايتـى* :
رد: الاقتصاد الياباني
الخميس 7 يناير - 19:20
[center] [img]/users/1711/44/53/95/smiles/80562.gif[/img]
[/center]
[/center]
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى